بوش أيضا أصبح صحافا

TT

درج الرئيس جورج بوش في غمرة الحرب مع العراق على الخروج من اجتماعاته لمسافات قصيرة بغرض الاستماع لتصريحات وزير الإعلام العراقي السابق الصحاف الذي كان يضفي روحا من التفاؤل الأحمق على واقع الحرب المرير.

خلال حديث له مع توم برادشو وصف بوش الصحاف، الذي اطلق عليه لقب «بوب بغداد» ولقب آخر يصفه بأنه وزير فكاهي، بأنه شخصية محببة لديه. والآن تحول بوش الى صحاف آخر. ففي حديث له أمام مراسلين هذا الاسبوع قال ان «أسوأ الاشياء عندما تحدث في العراق فإن ذلك يعني ان هناك انباء جيدة،وكلما حققنا المزيد من النجاح اتى هؤلاء القتلة برد فعل». ويبدو تعليقه اقرب لمنطق المقولة التي تقول ان النكبات عندما تحدث يعقبها خير للناس، أو الى ما ذهب اليه ضابط اميركي خلال حرب فيتنام عندما قال: «كان من الضروري ان ندمر القرية من اجل انقاذها».

بدأت الحرب بغياب أي نوع من المنطق من جانب بوش ابتداء من المعلومات الاستخبارية الكاذبة التي استخدمت لتعزيز ذرائع كاذبة لشن الحرب القائمة في الاساس على مجموعة من الحجج غير الصحيحة.

لا يزال مسلسل الافتقار الى المنطق متواصلا من جانب بوش الذي قال ان ازدياد عدد القتلى والجرحى وسط الاميركيين والعراقيين وعمال الإغاثة يعتبر مؤشرا على احراز تقدم في العراق. وأن العراق كلما اصبح خطرا، اصبح العالم اكثر امنا وسلامة وانه كلما بدا ان الولايات المتحدة في حاجة الى إرسال المزيد من القوات، كان ذلك مؤشرا على تراجع الحاجة الى إرسال المزيد من القوات.

وبنفس المنطق فإن عملية العثور على صدام حسين وبن لادن واسلحة الدمار الشامل كلما اصبحت اكثر صعوبة اصحبت غير ذات اهمية، وأن الهجمات ضد قواتنا الاميركية كلما ازدادت كثافتها واصبحت اكثر تنسيقا، فإن ذلك يعني ان العدو اصبح اكثر يأسا.

في تنوير ارسل للبنتاغون يوم الاثنين من مدينة تكريت وصف الجنرال ريموند اوديرنو المهاجمين بـ«اليأس» ثمانية مرات خلال حديثه. إلا ان مسؤولي بوش هم اليائسون عندما يحجبون الواقع تماما، فهم لا يفهمون حتى الفوائد السياسية لقول الحقيقة.

عقب اعترافه في الآونة الاخيرة بعدم وجود صلة لصدام حسين بهجمات 11 سبتمبر 2001، اكد بوش على بقاء القوات الاميركية في العراق وقال: «يجب ألا ننسى مطلقا دروس 11 سبتمبر». نفى بوش من جانبه ان تكون ادارته وراء شعار انتهاء مهمة القوات الاميركية في العراق، كما ان رامسفيلد بدا مراوغا عندما اقر في مذكرة خاصة ان القوات الاميركية ستظل موجودة في العراق وافغانستان «لفترة طويلة وصعبة».

يبدو واضحا ان مسؤولي بوش على استعداد لاستخدام أي حجة للتأكيد على ان كل شيء على ما يرام رغم ان انفجارات السيارات المخففة والحرائق التي اشعلتها الصواريخ ارض ـ جو حولت العراق الى ساحة لسيارات اسعاف والنقالات والجثث عقب وصول بول وولفويتز الى هناك لاستعراض النجاح الاميركي.

إلا ان خوف الجنود الاميركيين الشباب الذين لا يتحدثون لغة البلد ولا يفهمون ثقافاته ولا يعرفون من سيطلق النار عليهم، عبرت عنه صورة نشرت في الصفحة الاولى لعدد صحيفة «نيويورك تايمز» الصادر يوم الاربعاء، اذ يظهر في الصورة جنديان اميركيان وهما ينحنيان لتفتيش جيوب صبي عراقي.

يتذكر نيل شيهان، خبير استطلاعات الرأي ومؤلف كتاب «الكذبة الناصعة اللامعة»، ان روبرت ماكنامارا قام بزيارات الى فيتنام مشابهة لزيارة وولفويتز الاخيرة الى العراق سعيا للتأكيد على وجود اخبار سارة والتظاهر بأن المناطق التي كانت غير آمنة باتت آمنة الآن. وكان وزير الدفاع السابق ماكنامارا يستقل سيارة جيب عسكرية مع كولونيل في الجيش الاميركي في منطقة دلتا ميكونغ بفيتنام، فقال الكولونيل للوزير ماكنامارا ان القوات الاميركية تواجه بعض المشاكل الخطيرة التي لا يواجهها هو وانهم يريدون منه ان يكون على اطلاع تام عليها، إلا ان ماكنامارا رد على الكولونيل قائلا: «لا اريد ان اسمع مشاكلكم. اريد ان اسمع عن التقدم الذي احرزتموه». ويختتم شيهان بانه من السهل ممارسة الخداع بالمظهر الكاذب.

* خدمة نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»