ذو الدفتين

TT

يقام في بيروت منذ ايام معرضان، واحد للكتاب العربي، وآخر للكتاب الفرنسي. والجديد قليل في المعرضين. والمهم اقل، لكن المثير دائماً هو هذا الشغف البيروتي بالكتاب. انها مدينة لا تزال تخرج الى الاحتفال بذي الدفتين، مهما بدا انها سلمت نفسها لثقافة الفيديو كليب وتجارة التأوه والاثواب التي من الصعب ان ترى. وتمتلئ بيروت بالنكات «الفنية» كما كانت مصر تمتلئ بالنكات السياسية. وآخر واحدة ان «ابو العبد» بعث الى مجموعة من النساء برسالة امتنان لان مؤلفي الدعابات ومروّجيها «حلوا عن ظهره».

ويتساءل اللبنانيون في مجالسهم عن ظاهرة التولد والتكاثر في المهن ذات الصلة. ويقول البعض ان الوضع الاقتصادي والفقر هو السبب الاساسي. لكن الظاهرة لا تنحصر في لبنان وحده. وقد اصبحت مسألة عربية شبه عامة. واعتقد مع من يعتقدون، ان السبب في معظم الحالات هو الفقر والحاجة. واحياناً الفقر الشديد جداً والاكثر بشاعة من الفقر نفسه. ولم يكن الفقر في لبنان في الماضي يشكل مبرراً او ذريعة او سبباً لهذا النوع من الكسب الا في حالات فردية نادرة جداً. لكن يرافق الفقر اليوم تراخ شديد في الضوابط وغياب النواهي الاجتماعية التي كانت قائمة في الماضي، عندما كانت الاسرة ليست في البيت فقط وانما ايضاً في الحارة وفي الحي وفي القرية وفي المدرسة وحتى في العمل.

يقول البعض ان الحروب هي التي تولد هذه الظواهر. ولكن المقصود هنا حروب كتلك التي دمرت المانيا وبولندا وروسيا حيث لم يبق حجر او رغيف. وظني ان الامر لا ينطبق على لبنان مطلقاً. فالوضع الاقتصادي تردى بعد الحرب لا قبلها. والتفكك العائلي لم يكن وارداً خلال الحرب، بل العكس، عرفت العائلة تضامناً وتعاضداً شديداً. ثم ان الظاهرة تفشت في بلدان عربية اخرى لم تعرف الحرب.

طبعاً في هذه المسألة يظلم الذين يظلمون. ويعمم الناس الانطباع على العاملات والعاملين في بعض الحقول بغير وجه حق. ولكن هناك حالة عامة من «الاقتصاد الجديد» لا يمكن نكرانها، والاحرى دراستها ومواجهتها والبحث عن حلول لها. وهناك عدد كبير من الذين واللواتي كانوا يفضلون حياة ارقى وانبل وافضل، ولو بالقليل من الدخل.

ويعبّر عن هذه الحالة الآن بالنكات اليومية. وفي كتابه «النكتة السياسية» يروي عادل حمودة كيف عبّر المصريون عن ضيقهم وقلقهم من خلال النكتة الجارحة عندما حالت الرقابة دون التعبير عن الواقع بأي اسلوب آخر. ويروي نكتة اجتماعية تقول ان «مجلة نسائية سألت الازواج عما يخيف في المرأة العاملة، فأجابوا: ان تترك العمل».

هناك كاتبان كنت اتمنى لهما ولنا ان يظلا في الكتابة وان يبتعدا عن المسؤوليات والنشر والمشاريع الصحافية التي تفقد الكاتب مخزونه الفكري والثقافي وتبدد الموهبة التي اعطيت له. احدهما عادل حمودة الذي خرجت من «معرض الكتاب العربي» وانا احمل بعض كتبه القديمة. بما كنت اقول. والثاني سعد البزاز الذي ما ان خرج من قاطرة النظام العراقي حتى بدا كاتباً لامعاً ومثيراً للاعجاب. لكنه للاسف ما لبث ان ذهب الى عالم النشر الذي لا يمكن ان يترك لصاحبه لحظة فراغ واحدة. وكان عادل حمودة هو الذي اطلق في الماضي اشهر نكتة سياسية في مصر عن صحافي كان يمتدح حكومة عاطف صدقي بشدة، فلما استقال وحل محله كمال الجنزوري بدأ يمتدح الاخير بالحماس نفسه، فلما سئل لماذا تغير اجاب: ابداً، هو الذي تغير لا انا.