صدام.. الهروب والتخفي بتقدير ممتاز جدا

TT

يتمتع الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بقدرات مميزة على التخفي والهروب لا يضاهيه فيها احد، اكتسبها عبر مرحلة تاريخية طويلة تعود الى طفولته، عندما كان متشردا قبل ان يحتضنه خاله خير الله طلفاح ليرسم له الطريق، مثلما رسم خارطة نسب عائلته ولصقها زورا بعائلة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، مدعيا ان عائلة خير الله التي ينتمي صدام اليها ترجع في اصولها الى نسب الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه. وقد ثبتها في حينه بخارطة وزعها على اكثر من مؤسسة حكومية في ظل السلطة الحاكمة السابقة. وصدام لا يزال مختفيا حتى اللحظة سواء بما يمتلك من مواهب للتخفي او بمساعدة جهات محلية ترفض تسليم الدخيل لديها وفق تقاليد وقيم تربت عليها، حتى لو كان ذلك الشخص مجرما وملاحقا. او ان حاكم بغداد السابق يكون قد اختار مكانا معدا مسبقا لمثل هذه الحالات الطارئة بمساعدة جماعات اغدق عليها خلال فترة تسلطه التي امتدت الى اكثر من ثلاثة عقود وهيأها لمثل هذا اليوم.

ويسود الاعتقاد ان قوى خارجية عمدت الى التكتم على وضع صدام وفق بعض الاشاعات التي تتردد في الشارع العراقي، مقابل تمهيد الطريق لها بدخول بغداد دون خسائر. ويستند مروجو هذه الاشاعات على الخدمات التي قدمها صدام لتلك القوى طيلة سنوات حكمه والتي كان من نتائجها احتلال العراق والاشراف على عموم المنطقة.

ولصدام تاريخ حافل بالهروب والتخفي، فقد تردد اسمه اول مرة في عام 1959 عندما شارك ضمن مجموعة تنتمي لقيادة حزب البعث في محاولة اغتيال فاشلة استهدفت المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم حين تصدت هذه المجموعة لقاسم في شارع الرشيد (رأس القرية) ببغداد واطلقت عليه النار. وزعم في حينها ان صدام حسين الذي تخفى تحت اسم مستعار اصيب بطلق ناري في ساقه لكنه تمكن من الهروب من مكان الحادث.

واختير صدام آنذاك وفق مصادر الحزب نفسها للمشاركة في عملية الاغتيال رغم كونه عضوا بسيطا في حزب البعث إلا ان له مواهب أخرى منها انه كان صداميا لا يتردد عن قتل الآخرين بدم بارد.

وعندما القت سلطات الزعيم قاسم في حينها القبض على عدد من افراد المجموعة المنفذة للعملية في احد اوكار الكرادة، حيث كان يعالج احد المصابين وهو سمير عبد العزيز النجم لم تتمكن من ضبط صدام الذي كان يتردد على الوكر ايضا وتمكن من الافلات لأنه لم يزر المكان في ذلك اليوم وكأن احدا همس له بأن يكون بعيدا عنه في تلك اللحظة التي تجمع فيها معظم منفذي عملية الاغتيال.. وتمكن صدام من الهرب الى سورية ثم الى القاهرة التي كانت تحتضن العديد من الشخصيات المناهضة لحكومة عبد الكريم قاسم في تلك الفترة، وبعد تسلم البعثيين السلطة في العراق عام 1968 صوروا عملية الهروب تلك برواية اطلقوا عليها اسم (الايام الطويلة) بالرغم من انها رواية كانت تتضمن العديد من المشاهد المحرفة والمبالغ فيها والكاذبة احيانا، بل كانت تفتقد الى الواقعية والمصداقية.

وفي القاهرة كان صدام يتجول في اروقة بعض السفارات الغربية كما ذكر ذلك اكثر من شاهد حتى ان وزير الدفاع السوري العماد مصطفى طلاس ضمن ذلك في احدى مقالاته التي نشرها على صدر احدى الصحف السورية. وعاد صدام ثانية الى العراق ولم يكن له اسم بين أولئك البعثيين الذين كانوا ورراء انقلاب عام 1963 الذي اطاح بحكومة عبد الكريم قاسم. وحين انقلب عبد السلام عارف على حزب البعث في تشرين عام 1964 القي القبض على صدام واودع السجن بمعية عدد من البعثيين بينهم عبد الكريم الشيخلي الذي عين وزيرا للخارجية بعد انقلاب عام 1968 الذي جاء بأحمد حسن البكر وصدام وبقية المجموعة التي كانت قد فصلت من الحزب في خلافات نشبت خلال عام 1963.

عمل صدام كمخبر لدى مدير الامن العام في حينها رشيد محسن في عهد عبد السلام عارف ليشي بمن معه في تنظيم الحزب من البعثيين وتمكن لاحقا من الهرب عندما نقل بسيارة من السجن، حيث كانت بانتظاره سيارة أخرى في منطقة الرصافة قرب صيدلية فجر الاسلام مدعيا في حينها انه بحاجة الى دواء، لكنه هرب بالسيارة وفق خطة مرسومة في ظل اوضاع يسيرة كان الأمن فيها شبه منفلت آنذاك.

وبعد تصفيات ومسيرة دامية وصل صدام عام 1979 الى رأس المؤسسة العسكرية والمدنية في العراق والى كل شيء في البلاد محاولا ان يربطها باسمه إلا ان ذلك كله اختفى في التاسع من نيسان دون ان تتمكن القوات الامريكية وفق ادعاءات مسؤوليها من تحديد مكانه أو الوصول اليه رغم ما بحوزتها من تقنيات علمية فائقة ليفاجأ المواطن العراقي برسائل صوتية له تبث بين فترة وأخرى وعندما تتطلب الحاجة لها عبر فضائيات عربية تزعم واشنطن انها لا تعرف مصدرها أو المكان الذي سجلت فيه سواء خارج العراق أو داخلها بينما يتحدث اعضاء في حكومة بغداد الجديدة عن ان صدام حسين موجود في العراق ويتنقل على الارجح في المنطقة بين سامراء والموصل.

ويبقى الغموض يلف رواية اختفاء صدام مثلما يلف الغموض لحظات وقوع بغداد اسيرة بيسر بأيدي قوات الاحتلال.. ورواية اختفاء صدام ليست الاولى فقد سبقتها روايات اختفاء المطلوب رقم واحد اسامة بن لادن والشيخ الملا عمر في افغانستان ليتم لم شمل (الثلاثي صدام وأسامة وعمر) برواية واحدة مؤلفها واحد هي الولايات المتحدة.

* كاتب عراقي