أوروبا تفضح إسرائيل

TT

59 في المائة من الأوروبيين يعتقدون أن اسرائيل تمثل خطرا على السلام في العالم. و 53 في المائة يرون أن الولايات المتحدة الأمريكية تأتي في المرتبة الرابعة خلف اسرائيل المتبوعة مباشرة بإيران وكوريا الشمالية، كخطر على السلام.

هذه هي النتائج المفاجئة التي أسفر عنها سبر للآراء أجراه الاتحاد الاوروبي في 15 من بلدانه، مما لا يزال يثير التعليقات في كل مكان من العالم، وردود فعل متشنجة في اسرائيل.

بالنسبة لحكومة شارون، هذه أكبر صفعة تلقتها فعلا من الرأي العام الأوروبي، في الوقت الذي يبدو فيه واضحا أن اتجاه الرأي في أوروبا لا يسير نحو التصالح مع مواقف حكومة بوش. فهنا على الأقل، لا نجد أي صدى للقائمة «السوداء» الأمريكية، التي تشمل عاديا بلدانا كسوريا وليبيا - ومؤخرا المملكة العربية السعودية! ـ بوصفها تمثل خطرا على السلام، أو تؤوي بشكل ما إرهابيين محتملين.

الحقيقة أنه بالجمع بين اسرائيل والولايات المتحدة ـ لا يفرق بينهما سوى ايران وكوريا الشمالية ـ في قائمة واحدة، أشار الرأي العام الأوروبي الى مكمن الداء: فهناك علاقة واضحة بين العنف الذي تشهده الساحة الدولية من طرف الارض الى طرفها الآخر، وبين السياستين الاسرائيلية والامريكية الشريكتين في العديد من الحسابات والمشاريع الاقليمية والمواقف. حتى تلاميذ المدارس يعرفون أن الدعم الأساسي للعنف الاسرائيلي قادم من الولايات المتحدة، في شكل هبات وقروض واعانات مختلفة ومشاريع مشتركة.

وفي الوقت الذي تصدر فيه نتائج سبر الآراء هذه، انعقد في اسرائيل الاجتماع السادس والثلاثين للمجموعة العسكرية المشتركة (الامريكية ـ الاسرائيلية)، ليقرر منح اسرائيل ما قيمته 2.22 بليون دولار من المساعدات العسكرية. وحضر الاجتماع من الجانبين المدير العام لوزارة الدفاع الاسرائيلية آموس يارون، ونائب وزير الخارجية الامريكي لشؤون السياسة الدفاعية لينكولن ب. بلومفيلد جونيور.

بالطبع، المصادفة وحدها أرادت أن تجمع الحدثين في الأيام نفسها، بالرغم من أن الشراكة بين اسرائيل وأمريكا لا علاقة لها بالمصادفات، ومن ثم، فليس الغريب هو أن يشير الأوروبيون للبلدين بوصفهما يمارسان سياسة تهدد السلام، بل الغريب هو ألا يقع ذلك سوى الآن فقط.

ولعله ينبغي التساؤل الآن عن أسباب هذا الاتجاه في الرأي العام الأوروبي ونتائجه على المدى المنظور.

ومن بين الأسباب التي تستحق التوقف، التشدد العنيف الذي تمثله حكومة شارون، وممارساتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني، ومحاصرتها لقياداته، وتدميرها لكل ما كان يشد الناس الى أمل السلام.

ومن الواضح أن الرأي العام الأوروبي، الذي لن يستطيع الاسرائيليون اتهامه بمعاداة السامية على الأقل، لأن أوروبا لا تعتبر نفسها عدوة لاسرائيل، وأقل من ذلك بكثير لليهود ـ أقول ان هذا الرأي العام يبقى حساسا جدا ازاء العنف الجاري في الاراضي الفلسطينية وكذلك في اسرائيل. واذا كان الأوروبيون العاديون يدينون العنف الفلسطيني والاسرائيلي بنفس القدر، خاصة اذا كان ضحاياه - كما هو الحال غالبا- من المدنيين والاطفال، فإنهم، بلا شك، يعتبرون اليوم حكومة شارون مسؤولة تماما عن التدهور الحالي، ويرون في هذه الممارسات ما يهدد السلام في العالم. معنى هذا الكلام أنهم يربطون بين ما يحدث في الاراضي الفلسطينية وبين ردود الفعل المحتملة التي قد تأخذ أشكالا عنيفة غير متوقعة في أي مكان من العالم.

من ناحية أخرى، يبدو أن العديد من الأوروبيين غدوا مقتنعين بأن بوش يسير نحو أفق مسدود في العراق، سيما في ظل استمرار غطرسة حكومة شارون. ومن المعلوم أن الرأي العام الأوروبي لم يكن سعيدا في الاصل بقرار بوش الذهاب الى الحرب في العراق، وهو اقل سعادة اليوم برؤية الشباب الامريكي والبريطاني يقتل خلال العمليات التي تقوم بها قوى غامضة، لا يعرف أحد على وجه التحديد هل تنتمي لأتباع النظام السابق أم لأتباع أسامة بن لادن. وفضلا عن ذلك، فهذه المقاومة شلت قدرات منظمات الاغاثة الانسانية غير الحكومية، وألحقت بالامم المتحدة نفسها أضرارا كبرى.

وهناك بالتالي مخاوف مفهومة من أن يتسع هذا العنف ليشمل أمكنة أخرى مجاورة أو أبعد. ففي غياب الاستقرار، يمكن أن نتصور تطورا الى الأسوأ، اذ ليس من الضروري أن يكون التفاؤل الغالب على المواقف الرسمية الأمريكية هو الوسيلة الناجعة لحل المشاكل، اذا لم يرفق بخطوات ملموسة في الميدان من شأنها تخفيف الوطأة على السكان، في كل من فلسطين والعراق.

* كاتب من تونس مقيم في فرنسا