الأمن المائي والغذائي في أفريقيا والأرق العالمي

TT

قبل أيام تكررت الحكاية إياها التي نطالعها سنويا، وهي صدور تحذيرات جديدة من مجاعة جديدة قد تضرب افريقيا بغية ان تبادر البلدان الغنية لاغاثتها واطعام الملايين من الأفواه الجائعة في أواسط القارة الفقيرة وجنوبها.

لكن التحذير الصادر هذه المرة هو اكثر خطورة من السابق عندما اقترن، اضافة الى مسألة الجفاف والتصحر المعروفة، بنقص خطير في مياه الانهر والبحيرات، وحتى الثلوج، التي لم تعد تكفي لمتطلبات تلك الأرض الشاسعة وسد جوع سكانها.

طبعا النقص في المياه مشكلة عالمية نعاني منها جميعا، خاصة انه في حلول العام 2025 سيكون هناك شخص واحد على حافة الظمأ من أصل ثلاثة يعيشون على هذه الأرض.

لكن في افريقيا ستكون المعاناة أكثر قسوة وقبحا. إذ انه في ذلك العام ستخسر القارة من الغلال ما يوازي المحصول السنوي للولايات المتحدة والهند مجتمعتين الذي يطعم مليارا ونصف المليار من سكان هذين البلدين.

لقد صدر التقرير في ختام اطلاق برنامج للمجموعة الاستشارية للابحاث الزراعية العالمية لمكافحة نقص المياه والغذاء في العالم. إذ يحاول هذا البرنامج العثور على حل لتحسين ادارة المياه المتوفرة في العالم وترشيده وبالتالي العمل على تقنيات جديدة للري لا تستهلك الكثير من المياه، لكنها تدر محاصيل وفيرة. وبعض هذه التقنيات تشمل ايضا تطوير محاصيل مقاومة للجفاف والريح والاجواء القائظة.

من الحلول المقترحة ايضا اقامة مزارع داخل البحر والبحيرات لتربية الاسماك تكمل المشاريع التي اقترحها البرنامج اعلاه.

إن من شأن هذه المزارع تأمين البروتين اللازم للتعويض عن النقص الغذائي الذي سيحصل والذي سببه المباشر العجز في مياه الري الزراعي.

والمعلوم ان 70 في المائة من الاستهلاك المائي يذهب عادة الى الزراعة و 22 في المائة للصناعة و 8 في المائة فقط للأغراض المنزلية. ومع ذلك فإنه في حلول العام 2025 فإن عدد الافارقة الذين لن تتوفر لهم مياه الشفة، ولا حتى مياه صالحة للاغراض المنزلية سيتضاعف الى 523 مليون انسان، لكن الطامة الكبرى تأثير المياه على الانتاج الزراعي والغذائي، لأن افريقيا ستواجه انخفاضا في المحاصيل الزراعية يبلغ 23 في المائة، مما يوجب على العالم تصدير 35 مليون طن من الحبوب اليها خلال الـ 23 سنة المقبلة، وهي ثلاثة اضعاف ما يصدر حاليا.

إن مثل هذه الارقام الكبيرة ستجعل من المستحيل على البلدان الافريقية الفقيرة تمويل هذه الواردات ما لم يقم العالم بتقديمها والتبرع بها طوعا، وإلا فإن المجاعات وسوء التغذية ستكون على نطاق اكبر بكثير مما نشهده حاليا. انها مشكلة متفاقمة طرديا قد تكون مستعصية على الحل، خاصة اذا علمنا انها ستؤثر على ثلث سكان العالم تماما.

المهم ان الأمم المتحدة تحاول حاليا اقحام العالم كله في معالجة هذه المشكلة، لا سيما الغرب والبلدان الصناعية المتطورة تحت شعار «الهم الذي يقلق الجميع والذي يؤثر على مستقبل البشرية جمعاء». وكانت التقارير الصادرة عن المنظمة الدولية قد اشارت قبل اسابيع قليلة الى اختفاء 40 في المائة من الاراضي الرطبة في العالم خلال الخمسين سنة الاخيرة. وهذه خسارة كبيرة حصلت في فترة صغيرة جدا من الزمن.

من هنا قد نفسر الفورة الحاصلة حاليا في الابحاث الزراعية والمائية التي تستهدف تسعة انهار كبرى في افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، أي المناطق الفقيرة، وبالتالي تحويلها الى مختبرات حية تعمل على زيادة التنوع الزراعي، والتحكم بمياه الفيضانات والسيطرة عليها واستغلالها بشكل نافع، كتربية الاسماك فيها مثلا وتكثيرها.

ولعل أبرز هذه المختبرات محاولة ربط 37 نهرا وقناة مائية في الهند في شبكة واحدة بحلول عام 2016 بكلفة 120 مليار دولار.

كل ما نتمناه نجاح مثل هذه الاختبارات والمساعي المكلفة لضمان الأمن المائي والغذائي لكثير من البلدان والمناطق العالمية في السنوات القليلة المقبلة، وعلى رأسها افريقيا.