من المسؤول؟

TT

هل حقا العرب لا يقرأون، ما هي المؤشرات على ذلك؟ التقرير الثاني الذي صدر عن الأمم المتحدة يوم 20 اكتوبر الماضي حول التنمية البشرية في الدول العربية مشابه للتقرير الاول الذي صدر في العام الماضي، ومفاده ان الدول العربية لا تحث مواطنيها على الاطلاع والمعرفة، والعرب ككل لا يميلون الى العلم المعرفي والاطلاع على ما يدور في العالم، فوفقا لاحصائية صدرت أخيرا عن منظمة اليونيسكو يتبوأ الاوروبيون الصدارة في القراءة ويأتي العرب قبل ذيل القائمة الذي ينتهي بالافريقيين، اقل البشر نصيبا في القراءة.

وتشير الدراسة الى ان ألف عربي يقرأون 53 نسخة من صحيفة عربية، بينما هناك ألف شخص في الدول المتقدمة يقرأون 285 نسخة من احدى الصحف في بلادهم، وخلال الفترة من 1980 الى 1985 ترجمت حوالي اربعة كتب لكل مليون عربي مقابل ترجمة 519 كتابا في هنغاريا و 920 كتابا في اسبانيا لكل مليون شخص على التوالي، واستمرت معدلات الأمية عالية بين العرب، كما ان استخدامهم لجهاز الكمبيوتر ضئيل.

هذا ولا يقتصر الأمر على التعليم فقط، كما يضيف التقرير، بل يشمل مجالات أخرى فوسائل الاعلام القائمة تعمل في «بيئة تقيد بصورة كبيرة حرية الصحافة وحرية التعبير وابداء الرأي»، وهناك الخوف من العولمة في معناها الثقافي، أي خشية العرب على هويتهم الثقافية وعدم تقبل بعض القيم لدى الدول الأخرى اذا ما ساروا كما تسير دول العالم في طريق العولمة بمعناها السياسي (العالم قرية صغيرة) والاقتصادي (العالم سوق واحدة) والثقافي (استخدام ثورة المعلومات) وغير ذلك.

يرى التقرير ان هذه المشكلات المزمنة قد اعاقت التقدم العربي، بالرغم من حدوث بعض الاصلاحات السياسية والاقتصادية في الوطن العربي منذ عام مضى كالانتخابات في البحرين بعد انقطاع دام 30 سنة واعتزامها السماح بتكوين الاحزاب السياسية، واجراء استفتاء في قطر لتبني دستور للبلاد، والاصلاح في مجال التعليم في السعودية واعتزامها اجراء الانتخابات البلدية، وتبني سوريا برنامجاً للاصلاح المحلي.

من الناحية الدينية لم يتحدث التقرير مباشرة حول موضوع الدين، لكنه يقول إن الظلم والجور في المنطقة العربية يجعل بعض الحركات السياسية فيها تتبنى تفسيرات متطرفة للاسلام، وان الحل يكمن في التركيز على تعليم القيم الاخلاقية واعادة فتح باب الاجتهاد لأن العلم الديني التقليدي ظل على ما هو عليه دون تغيير.

بشكل عام وضع التقرير الاول والثاني فريق من الاكاديميين العرب تحت اشراف هيئة الأمم المتحدة، التقرير الاول استعرض المشاكل المزمنة التي تعوق التطور العربي واقترح الفريق العلاج السياسي لها، وها هو هنا يعيد اقتراحاته، واللغة المستخدمة في التقريرين صريحة ونزيهة وتمتلئ بالاحصاءات التي تثير في النفس الأسى والألم لواقع التعليم والثقافة في العالم العربي، والتقرير يقول باختصار «إن الاحكام القمعية والرقابة بكافة اشكالها في الوطن العربي تقضي على الابتكار والابداع والمعرفة، وان الدول العربية تبدد ثرواتها النفطية فخططها الاقتصادية مضطربة ولا تستثمر في التعليم والبحث العلمي، ولا بد من الانفاق على التعليم بشكل كبير من أجل سد فجوة التعليم بين الدول العربية والغرب، هذه الفجوة التي تتزايد اتساعا يوما بعد يوم، ولا مخرج للدول العربية إلا في التجربة العالمية».

هذا ما جاء في التقرير، لكن لماذا أتت هذه النتائج بهذا الشكل؟ ان الاستعمار لم يمنع الثقافة من الظهور في مصر، والاحتلال الاسرائيلي لم يمنع الفلسطينيين من تحقيق معدلات عالية من الثقافة، والحرب الاهلية في لبنان لم تمنع المطابع من اصدار الكتب الثقافية المختلفة، ولم يكن الدين عائقا امام نشوء الحضارة العربية والاسلامية، بل هو سببها الرئيسي. من هو المسؤول إذن؟

* دبلوماسي كويتي