الاحتضار

TT

لعل القراءة الأسلم للتفجيرات الإرهابية التي وقعت في الرياض السبت الماضي، هي أنها مؤشر على الإفلاس واليأس وبداية الاحتضار لهذه القوى الدموية، فمن الواضح أن الجهود الأمنية السعودية لاجتثاث هذه الشجرة الدموية الخبيثة قد بدأت تؤتي ثمارها، وجاءت محاولة التفجير في مكة المقدسة في هذا الشهر الحرام، كمؤشر على الحصار الذي يعاني منه هؤلاء الإرهابيون، ثم جاء تفجير السبت الماضي غرب الرياض ضد المدنيين العزل والأطفال ليشير إلى أن هذه الفئة الدموية في طريقها للتلاشي والاندثار.

إن مدعي العروبة والقومية مطالبون بالوقوف إلى جانب أقدم وأكبر وحدة عربية، وحري برافعي شعار الدين السياسي أن يعلنوا بأعلى أصواتهم وقوفهم مع المملكة العربية السعودية في وجه هؤلاء القتلة، تماما مثلما ارتفعت أصواتهم مجلجلة بالتضامن معهم والعون لهم في أفغانستان والشيشان، فلا حياد ولا وسطية، ولا حوار مع هؤلاء إلا كما ذكر وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز، بالسيف والبندقية، وان من يطالبون الحكومة السعودية بمحاورتهم، كمن يلقي لهم بطوق النجاة في وقت تشير الدلائل إلى عزلتهم واحتضارهم، وإلى أن الغالبية العظمى من السعوديين يقفون صفا واحدا ضد فلولهم، «ورب ضارة نافعة»، فلقد أزالت الهجمات الأخيرة التي استهدفت الأبرياء الغشاوة الرقيقة عن عيون من كان يظن بإمكان التفاهم مع هؤلاء، وأسقطت حجج كل من كان ينادي بفتح الحوار معهم، فهؤلاء قتلة عاشوا على سفك الدماء، وغسلت عقولهم طيلة عقود من قبل تجار الدين السياسي، ومن يحاول إضفاء مشروعية على هؤلاء إنما هو شريك لهم في جرائمهم.

كما أن التضامن الحقيقي مع المملكة العربية السعودية يستدعي الصدق والمصارحة، وتقديم النصح الصادق، فلا وقت للمجاملات، ولا مجال للنفاق السياسي، فالإضرار بالمملكة إضرار بالعرب والمسلمين جميعا، وزعزعة أمنها يزعزع أمن المنطقة برمتها. إن الحرب على الإرهاب حرب ذات جبهات متعددة، أهمها الإصلاح السياسي والاقتصادي وتجفيف منابع فكر التطرف والإرهاب.

لقد كنت أتابع نشرات الأخبار والتعليقات والمقابلات التلفزيونية والإذاعية، فهذا يأتي بالمفكر الفلاني، وذاك يستضيف العلامة العلاني ليسأله عن كيفية التصدي للإرهاب، وكان من بين هؤلاء كبارهم الذين علموهم السحر، لقد قتلوا القتيل وساروا في جنازته، وعاثوا في عقول الصغار تخريبا وتكفيرا للآخرين وغسلا لعقولهم، وأوهموهم بفكر لا يمت إلى الواقع بصلة، وعزلوهم عن أهلهم وذويهم ومناهجهم وواقعهم، وصوروا لهم العالم بعصابة لا تنفك عن التآمر عليهم، وان عليهم أن يبادروا «بالجهاد» ضد العالم أجمع.

لقد مارس تجار الدين السياسي سنين طويلة تجارتهم بتغريب الشباب وحشوا عقولهم بفكر التطرف، وربوهم على ثقافة الإرهاب، وحاصروهم بفتاوى التحريم والعزلة، فكان هؤلاء نتيجة لهؤلاء، وثمرة علقما لزراعة ثقافة التطرف والتحريم والخوف الوهمي.

إن محاربة الإرهاب تتطلب وقف منابعه، والعودة بالتركيز على تعاليم التسامح والتعايش، ووقف هذيان الدين السياسي الذي اختطف أبناءنا وغيب عقولهم، ودفع بهم إلى الانتحار الجماعي ـ آخذين في طريقهم نحو الهلاك أرواحا بريئة، مروعين أماكن مقدسة، ومتسببين في زعزعة الأمن وإثارة الفتن. كما تتطلب مجابهة الإرهاب الإسراع في عمليات التطوير والإصلاح السياسي الذي يفتح الباب للجميع بالمشاركة الفعالة لتكون ترسا في مواجهة التطرف والإرهاب.