أيام فاتت

TT

من الشخصيات الهاشمية الملكية التي قلما اشير اليها او كتب عنها، كان الأمير زيد بن الحسين، عم الملك غازي وفيصل الثاني من بعده رحمهم الله جميعا. كان الامير زيد من الشخصيات المرهفة الحس والعاكفة على القراءة والاستزادة والتفكير وتذوق الفنون والادب. لم تكن السياسة مما يشغل باله ولا الطموح الى المناصب والمراكز والامتيازات. الواقع انه كان يكره الأبهة والعظمة ويتحاشى حفلات الاستقبال والكوكتيل والمراسم البروتوكولية. يحب بساطة العيش والحنو على الصغار والعطف على الحيوان وحتى النباتات التي كان يتمتع ببستنتها ورعايتها.

اشتغل سفيرا للعراق في لندن لردح من الزمن. لكنه في كثير من المناسبات، كانوا يكلفونه بالانابة عن العرش في بغداد عندما يغادر الملك فيصل الثاني وولي عهده الامير عبد الاله العاصمة العراقية الى الخارج.

يروي السيد علاء الجبوري الذي كان موظفا في التشريفات الملكية، انه في مناسبة من هذه المناسبات التي تولى فيها الامير زيد شؤون العرش والبلاط والدولة، تسلم مكالمة تلفونية من الامير، اسرع الى الخط ورفع السماعة، واذا بنائب الملك على الطرف الآخر. «نعم سيدي» قال للأمير فأجابه الامير متسائلا «عندكم سكر ناعم في البيت؟».

ـ «ان شاء الله سيدي يكون».

ـ «اذا ما عندكم، روح للسوق واشتري لي كيلو سكر ناعم وجيبه بسرعة».

ـ «تأمر سيدي».

استغرب السيد علاء الجبوري من الأمر. كيف يكون نائب الملك في حاجة الى كيلو سكر ناعم. وما الذي يريد ان يفعل به؟ اذا كان يريد يعمل كيك فالبلاط مليء بالكيك والبسكت. اذا كان يريد ان يعمل شربت فهناك من العلب والقناني ما يكفي من الشربت والعصير. ما الذي ينوي ان يفعل بهذا الكيلو من السكر الناعم؟

امتثل بالأمر، خلع دشداشته ولبس ملابسه وخرج الى السوق. اشترى كيلو غراما من السكر الناعم وتوجه الى حيث كان الامير زيد جالسا في بيته. وجده يراقب قطعة من الرقي (البطيخ الاحمر) سقطت من يده على الارض. والتف حولها حشر من النمل الصغير يحاول الوصول اليها ليأكل او يشرب من عصيرها. كان بعض هذا النمل يسقط في مائها ويهلك. البعض الآخر يلتصق بقطة الرقي ولا يستطيع الفلات فيموت والامير زيد يراقب كل ذلك. اجتاحته موجة من العطف على هذه الكائنات الصغيرة وشعر برغبة دافقة الى مساعدتها. التفت الى السيد علاء متسائلا: «جبت السكر؟».

ـ «نعم سيدي».

اختطف الامير زيد الكيس الصغير من يد موظف التشريفات الملكية التي روضها الامير بما جعلها تشريفات لمملكة النمل. اخذ حفنة من السكر الناعم وراح يرشه على ماء الرقية بما يزيده حلاوة وشهية للنمل، ويمكن هذه المخلوقات من السير فوقه والاكل منه بأمان والسيد علاء الجبوري يلاحظ كل ذلك في عجب واعجاب بأن يكون نائب الملك قد وجد شغلا شاغلا له في اطعام هذا النمل العراقي واغاثته من جوع او عطش.

كانت حالة من الحالات النمطية الاصيلة التي تميز بها الامير زيد في ابعاد تطلعاته ومشاعره الانسانية، نحو الانسان والحيوان.

وكان يوما وفات.