تقاسم نفط السودان

TT

غريب أمر مباحثات السلام السودانية، فكلما تفاءلنا خيرا في تقدم المفاوضات عادت الخلافات من جديد وكأن السودانيين قرروا ان يبدأوا رحلة السلام الطويلة من الصفر في كل مرة.

هذه المرة يبدو الخلاف جديا وخطيرا، فالمسألة تتعلق بتقسيم ثروات النفط السوداني بين الحكومة والحركة الشعبية، وهو أمر جديد في السياسة الدولية وفي تاريخ المصالحات بين الأمم، فتوحيد الثروة وجعلها في يد حكومة مركزية أمينة هو هدف كل مصالحة، والتأكد من ان ثروة المجتمع تملكها حكومة مركزية يتم مراقبتها عبر المؤسسات هو المدخل الوحيد لاقامة دولة حديثة ومركزية. اما الحديث عن تقسيم الثروة النفطية والخلافات حول نسبة هذا التقسيم فهو أمر غريب وعجيب.

نفط السودان ليس ملكا للحكومة او للحركة الشعبية بل هو ثروة كل المجتمع ولا يجوز تقاسم هذه الثروة وكأنها ملكية خاصة، ولو ان السودانيين اعلنوا دولة فيدرالية بين ولايتين ووضعوا أسس العلاقة بين هاتين الولايتين لقلنا ان المسألة يمكن بحثها بهذه الطريقة، اما الحديث عن دولة سودانية واحدة وثروة يتم اقتسامها بين طرفين سياسيين فهذه بدعة جديدة يصعب استيعابها.

كانت الحكومات السودانية المتعاقبة، وقيادات الحركة الشعبية يتحدثون ولسنوات طويلة عن مبادئ الحرية ووحدة السودان والديمقراطية والسلام، ولم نكن نسمع من أحد ان الصراع يتم على الثروات وعلى النفط، او على الاقل لم يقل لنا أحد ذلك، اما الآن وبعد ان تم انجاز خطوات جدية كبيرة على طريق المصالحة السودانية واعادة اللحمة لهذا البلد العربي المبتلى بالحروب، فان الحديث عن تقاسم النفط يلغي كل الشعارات السابقة ويقدم الحكومة والحركة الشعبية امام الشعب السوداني وكأنهم تجار حروب يريدون اقتسام الغنيمة.

كنا نأمل ان تطرح الحكومة السودانية والحركة الشعبية تصورا لادارة الثروة وآليات لحمايتها، وطرقا لصرفها على البنية التحتية وعلى اعمار ما دمرته الحرب والتأكد من ان هذه الثروة تستخدم بكفاءة لاعادة اعمار البلاد الموحدة. أما الحديث عن تقاسم الثروة فهو أمر محبط ومحزن لكل من يحبون السودان ويتمنون خروجه من ازمته.