قضية «حماس» مجدداً

TT

اضطرت الحكومة الاردنية، بلسان ناطق رسمي، الى التأكيد على ان موقفها السابق، الذي هو موقف الحكومة التي سبقتها، بشأن قادة «حماس» لم يتغير وانه لا يزال على ما هو عليه، وان كل ما رددته الصحف الاردنية في فترة عطلة الفطر بهذا الشأن غير صحيح وانه غير مسموح لأي مواطن اردني العمل مع اي تنظيم غير اردني انطلاقا من الاراضي الاردنية.

وكانت حكاية قضية «حماس» في الاردن، التي تفجرت في اغسطس (آب) عام 1999، قد اصبحت على مدى كل هذه الفترة منذ ذلك الحين كقضية ابريق الزيت اذ اعتلى امواجها كل كاره للأردن وكل متسلق وكل انتهازي وكل صاحب مصلحة خاصة وانتقد السياسات الاردنية كل من لا يعرف حقائق الامور وكل من اراد ان يسجل موقفا من دون ان يكلف نفسه وعثاء البحث عن مثل هذه الحقائق.

وفي هذا المجال فإن هذه القضية استخدمت استخداما جائرا، اهدافه الانحيازات السياسية والاغراض والتطلعات الشخصية، ضد الحكومة الاردنية السابقة الى ان اخلت مواقعها للحكومة الجديدة وها هي تستخدم الآن استخداما جائرا ايضا ضد الحكومة الحالية، مما يؤكد ان «المسألة ليست مسألة رُمّانة وانما مسألة قلوب ملآنة»، كما يقال، وان المستهدف هو الدولة الاردنية وليس اي حكومة من الحكومات المتعاقبة.

لقد كتب الكثير وقيل الكثير حول هذه المسألة، التي حولها البعض الى ما يشبه قميص عثمان، ولعل ما يجب التوقف عنده والتأمل فيه هو ان بعض قادة «حماس» في الخارج، نسوا وتناسوا ان هناك انتفاضة فلسطينية، تحولت الى حرب طاحنة مقدسة ضد الاحتلال الاسرائيلي ورفعوا شعار العودة الى الاردن وليس الى فلسطين وكرسوا كل جهودهم وامكاناتهم لهذه الغاية وليس لدعم الانتفاضة.

والغريب ان هؤلاء، اي بعض قادة «حماس» في الخارج، لم يدركوا مدى خطورة ان يرفعوا شعار العودة الى الاردن بينما جدد قادة ورموز اليمين الاسرائيلي الادعاء بأن دولة الفلسطينيين هي الدولة الاردنية وان وطن الشعب الفلسطيني هو المنطقة الواقعة الى الشرق من نهر الاردن.. فأي تناغم عجيب هذا واي مفارقة غريبة هذه.

لم يقل الاردن يوما، لا في عهد هذه الحكومة ولا في عهد الحكومة التي سبقتها، انه ضد حركة «حماس» بل هو يؤكد ويكرر التأكيد في كل مناسبة انه لا يكن الا الاحترام لهذه الحركة ولقادتها وشهدائها وان كل ما في الامر ان المفترض بمن يقود تنظيما فلسطينيا مجاهدا ان لا يصر على انه مواطن اردني بينما يدعي اليمين الاسرائيلي ويكرر الادعاء يوميا ان الدولة الفلسطينية هي الدولة الاردنية وان وطن الشعب الفلسطيني هو المنطقة الواقعة الى الشرق من نهر الاردن.

ان المنطق الذي تعامل به الاردن مع هذه القضية، في عهد هذه الحكومة وفي عهد الحكومة السابقة، هو انه اذا اختار قادة «حماس» المعنيون بهذا الامر المواطنة الاردنية فعليهم ان يلتزموا بالقانون الاردني الذي يمنع الانتماء لاي تنظيم غير اردني، اما اذا ارادوا اختيار مواقعهم القيادية في هذه الحركة الفلسطينية فإنهم سيعاملون في الاردن معاملة قادة التنظيمات والفصائل الفلسطينية الاخرى، جورج حبش ونايف حواتمة وجميع اعضاء اللجنة المركزية لحركة «فتح» الذين هم بمعظمهم اردنيون من اصول فلسطينية.

وللعلم فقط فإن هناك عددا كبيرا من الاردنيين، الذين حسب التعبير الدارج، من اصول شرق اردنية، قد انضووا في اطار الثورة الفلسطينية بفصائلها المتعددة، ومن بين هؤلاء الامين العام للجبهة الديمقراطية نايف حواتمة، فاصبحوا قادة فلسطينيين ولم يتمسكوا بالمواطنة الاردنية، كما ان هناك عددا من العرب الذين اختاروا المقاومة الفلسطينية فعادوا مع العائدين الى فلسطين ومن بين هؤلاء العراقيون (سابقا) قيس السامرائي (ابو ليلى) ومحمد رشيد (خالد سلام) وخالد الجندي القائد البارز في حزب البعث ورئيس اتحاد عمال سوريا سابقا الذي عاد الى غزة مع العائدين وتوفي هناك ودفن في الأرض الفلسطينية.