عندما يختلط الطب بالطرب

TT

هذه هدية طريفة تسلمتها بمناسبة العيد. كاسيت غنائي للدكتور حسن معصراني. ما هذا؟ دكتور في الغناء؟

وهو كذلك. فحسن معصراني جراح اختصاصي في المجاري البولية في مستشفيات ليفربول. ولكنه بنفس الوقت مطرب له صوت رخيم شجي وصادق في عاطفيته. حظي عندما كان تلميذاً في القاهرة بشرف زيارة محمد عبد الوهاب حيث غنى له شيئاً اطربه. فنصحه المطرب الكبير فوراً ان يصرف النظر عن دراسة الطب ويتفرغ للغناء والموسيقى. بيد ان المعصراني فضل ان يتبع نصيحة محمد القبانجي على نصيحة محمد عبد الوهاب. وكان المطرب العراقي على خلاف المطرب المصري قد نصح المطربين ان يتقنوا مهنة يتعيشون منها ثم يتعاملون مع الغناء بحرية وتمكن.

هكذا مضى حسن الشاب بدراسة الطب حتى نال هذه المكانة العالية من التخصص، استمعت اليه قبل بضعة أشهر، فضربت يداً على يد وقلت يا خسارة! ليتك يا دكتور اتبعت نصيحة عبد الوهاب. فأنت صاحب صوت وملكة، وهو شيء نادر. الطب شغلانة أي انسان يستطيع تعلمها وممارستها.

يظهر ان كلماتي احدثت اثرها في نفس الدكتور، فها هي بيدي هذه المجموعة من الأغاني التي ألفها ولحنها وغناها وسجلها، مع رسالة منه تعد بالتفرغ للغناء. وهذا شيء عجيب سأعتز به. لم يستمع لنصيحة عبد الوهاب واستمع الى نصيحتي. وهذه مأثرة أخرى اضيفها الى مآثر هذا الدكتور الفنان. والمأثرة هي انه سيكون المخلوق الوحيد في العالم الذي استمع الى نصائحي وصدق بكلماتي.

تقفى ايضاً خطوات القبانجي في انه عزم على تأليف كلماته بنفسه وتلحينها وغنائها، ولكنه اختلف عن القبانجي في شيء مهم. وهو ان القبانجي لحسن الحظ عاش ومات قبل ان تخترع آلة السنثسايزر، آلة الموسيقى الالكترونية.

وأريد ان أقول شيئاً عنها في هذه المناسبة، لقد أفسدت هذه الآلة في رأيي فن الموسيقى كما اتلفت مكبرات الصوت روعة الاذان التقليدية. لا أقول ذلك من باب الرجعية والمحافظة، ولكن اعتراضي عليها ان كل من هب ودب اشتراها واشتغل عليها شهرين او ثلاثة واستسهل امرها وراح يعزف بها. الآلات الموسيقية تتطلب سنين من المران والدراسة النظرية والعملية.

المزعج فيها ايضاً انها آلة صماء من الجمادات. وبالتالي لا تستطيع ان تتفاعل مع المغني. بدلاً من ان تكون خادمة له تصبح سيدة عليه. بدلاً من ان تتبعه يضطر هو لأن يتبعها. وقد سحرت مستعمليها بقدراتها فراحوا يطلقون العنان لسرعتها وعلو صوتها، فيضطر المطرب الى الهرولة لاهثاً وراءها. فتضيع الكلمات على لسانه ويموت اللحن وتتحول القطعة الى نتف من الزخارف والطنطنات التي ما أنزل الله بها من سلطان. نجوى كرم احسن مثال على ما أقول.

تهاتفت مع الدكتور وقلت له، يا حبيبي، ارجع الى أغاني عبد الوهاب وأم كلثوم والقبانجي ولاحظ كيف يحتل الايقاع دوراً ثانوياً جداً، قلما يلاحظه السامع وغالباً ما يقطع انفاسه ويسكت عندما يريد المغني ان ينطق بشيء او لحن بليغ.

ما نريده من المطرب، ومن حسن المعصراني بالذات، هو ان نستمع الى صوته الشجي دون طوط وطاط من السنثسايزر تشوش علينا تركيزنا ولا سيما عندما يكون هذا الطوط وطاط ضجيجاً لا لحن له ولا نظام، او زخرفة صوتية سقيمة او مجرد عبث من انامل العازف على مفاتيح الآلة.