حائط قبر الطموحات السلمية وإمكانات التعايش

TT

بعد الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز للولايات المتحدة الأمريكية وتصريحاته حول تلك الزيارة، زاد اليقين بأن أمريكا لن تحرك ساكناً في مواجهة خطط إسرائيل لبناء جدار الفصل العنصري. ويكتفي المسؤولون الأمريكيون بمجرد التلميحات المبطنة بأن الحكومة الأمريكية قد تتضايق إذا ضم الجدار بعض الفلسطينيين، فيؤكد الإسرائيليون اهتمامهم بالأمر ثم ينسونه برمته حين يكمل الجدار طريقه الأعوج من دون أي اعتراض أمريكي، على الرغم من كثرة التصريحات الأمريكية الرسمية المعارضة لمبدأ الجدار ومساره. وتبلغ السخرية منتهاها إذا علم المرء أن وزارة الدفاع الإسرائيلية نشرت خريطة الجدار الأمني على موقعها الخاص بالجدار على الإنترنت

http://www.seamzone.mod.gov.il/Pages/ENG/images/ map_eng.jpg

وهي نفس الخريطة ـ عدا تعديلات طفيفة ـ التي يريها الإعلاميون الفلسطينيون لكل العالم بهدف إفهامهم خطر الجدار على الأراضي الفلسطينية. ولا يمانع بعض الإسرائيليين أن يضللوا العالم بكل بجاحة بخصوص المعلومات المتعلقة بالجدار. فيدعي رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو أن الجدار لن يضم سوى عشرين ألف فلسطيني يسكن القدس الشرقية التي سيضمها الجدار بالكامل (سكانها مائتا ألف فلسطيني). ويدعي شارون أن الجدار لن يشكل حدوداً نهائية، بل هو مجرد «إجراء أمني» (تكلفة الجدار قد تصل إلى 3.2 بليون دولار أمريكي حسب مقال نشرته «واشنطن بوست»). كما يزعم يوسي كلاين هليفي من صحيفة «نيو ريببلك» أن الجدار لن ينتزع أكثر من 10 بالمائة من الضفة الغربية! ويصر الإسرائيليون على إنكار أهمية الضرر الذي يحدثه الجدار في حياة الفلسطينيين، ويجيبون بأن الهدف الأسمى هو إيقاف الإرهاب مع التركيز على مثال الجدار المبني حول قطاع غزة الذي يمنع العمليات الإرهابية ـ مع تناسي الجزء المتعلق بتدمير حياة الفلسطينيين في القطاع وتحويل حياتهم إلى جحيم يومي يدفعهم إلى الغضب والانتقام ـ وليس له أي هدف آخر. فإذا ما سألت المسؤول الإسرائيلي عن سبب الابتعاد عن الخط الأخضر وغوص الجدار عميقاً داخل الأراضي الفلسطينية فانه يرد أن الهدف من ذلك هو ضم أكبرعدد من المستوطنين الإسرائيليين. وإذا ما سألته عن التكاليف الزائدة الناتجة عن الابتعاد عن الخط الأخضرعدا عن نقص فاعلية الجدار، فاستعد لتلقي محاضرة عن حق إسرائيل في تعليم الفلسطينيين عبثية الإرهاب وعن حقها في أخذ المزيد من الأراضي الفلسطينية كلما رفض الفلسطينيون أحد عروضهم «السخية». وهنا تتوقف عن النقاش لمعرفتك عبثية محاولة إقناع المسؤول بأن القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والمجتمع الدولي لم يعطوا إسرائيل أياً من هذه «الحقوق» بل أكدوا مراراً وتكراراً على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 .

هل سيمنع العالم هذا؟ ليس بالضرورة. فالقيادة الفلسطينية وهي أكثر المعنيين بالأمر كله منشغلة بالمناصب الخاوية منذ أسابيع، حتى أن الصحافي الإسرائيلي جيديون ليفي علق على انتشار مقولة ساخرة في رام الله: «بينما كان الفلسطينيون يتجادلون حول إذا ما كان نصر يوسف سيتولى منصب وزير الداخلية أم لا، انتهى الإسرائيليون من بناء الجدار الفاصل».

المجتمع الدولي من جهته ناشط كعادته في إصدار الاستنكارات والإدانات منذ خمسين عاماً. أما أمريكا فحدث ولا حرج، فالسيناريو الذي حصل مع «خريطة الطريق» حينما طلبت من إسرائيل أن تزيل النقاط الاستيطانية، فردت ببناء المزيد مع الإصرار على التزامها بخريطة الطريق! يتكرر حرفياً. حينما يكتفي الأمريكيون بالكلام المعسول ثم ينسون الأمر برمته بعد بضعة أسابيع، وحينما يعلن الإسرائيليون عن شروعهم ببناء الجدار في منطقة غورالأردن، كما تشير جميع التصريحات والدلائل، فلن يتغيرالموقف الأمريكي كثيراً. هل سيستمر الوضع على هذا المنوال؟ ليس بالضرورة أيضاً. فالوعي حول قضية الجدار وأبعاده لم يتأخر كما حصل مع كثير من القضايا في الماضي. وكمثال على ذلك نشرت جريدة «يديعوت أحرونوت» ـ وهي من أكثر الجرائد مبيعاً في إسرائيل ـ تحقيقاً صحفياً رائعاً من جزئين عن الجدار كتبه الصحفي ميرون راباروت ووضع له العنوان التالي: «جدار في قلبهم»، إضافة إلى تقارير منظمة بتسليم الإسرائيلية، المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة عن هذا الموضوع. هذا عدا عن العديد من الإسرائيليين المعارضين للجدار، وكل هذا في الدولة التي تبني الجدار وبمباركة أغلبية سكانها. وفي التاسع من نوفمبر (الموافق ليوم هدم جدار برلين) بدأت فعاليات حملة مناهضة للجدار ويمكن مراجعة الموقع الرسمي للحملة على عنوان http://stopthewall.org إضافة إلى إمكانية قراءة العديد من المقالات والتقارير على موقع http://electronicintifada.net بحيث غدا من الممكن لكل راغب أن يطلع على مزيد من المعلومات حول الجدار الفاصل.

السنوات القليلة المقبلة ستحمل في طياتها الكثير من الأمور التي ستحسم عدداً من القضايا الهامة بما في ذلك مستقبل حل الدولتين، إلا أن الأمر المؤكد هو أن استمرار الجدار على حاله لن يحمل أي خير لمستقبل الفلسطينيين.