عواطف في مهب الريح

TT

رئيس وزراء يقع في غرام نادلة تقدم له الشاي في «داوننغ ستريت». فكرة مجنونة خطرت لريتشارد كيرتس في زمن حكومة هيث، ونفذها في عهد بلير على شكل فيلم جميل، فغيّر قصة حب رئيس الوزراء الذي قام بدوره «هيو غرانت».

تتقاطع هذه الحكاية العاطفية مع سبع قصص حب اخرى فيها الغرام والانتقام، والغيرة والجنون، والخيانة والاخلاص والهرب من الحب، فأغلبية العشاق في العالم يبادرون بالهجران خوف الفقدان.

رب هجر قد كان من خوف هجر

وفراق قد كان خوف فراق.

وفي فيلم «حب في الواقع» يستعيد الذي هجر خوف الهجران ثقته، ويعود الى حبيبته المتزوجة قبل يوم من اعياد الميلاد ليعبر عن غرامه بطريقة مبتكرة، فهو لا يريد ان يسمع الزوج اعترافه، لذا يكتب كل ما يريد قوله على ورقة مقوى وما ان تفتح له الولهانة الباب حتى يطلب منها الصمت باشارة سريعة الى الشفتين ثم يبدأ يحكي حبه لها بعدة لوحات متلاحقة يتنصل فيها من هروبه ويعاود الاعتراف بالحب.

وهو افضل طبعا من رئيس الولايات المتحدة الاميركية الذي حط ضيفا رسميا على رئيس الوزراء البريطاني. وما ان رأى النادلة حتى استغل اول فرصة ليقبلها وشاهد رئيس الوزراء الموله الموقف، فأبعدها عن مكتبه وفي قلبه حسرة ولم يكتف بذلك بل خرب في مؤتمر صحفي علني العلاقات مع اميركا انتقاما لتلك اللحظة الجارحة في التاريخ العاطفي.

انه فيلم ساخر الى درجة الجد، وخيالي الى حدود الحقيقة، لذا اختاروا للرئيس الاميركي ممثلا يشبه كلينتون، ومن غيره يمتلك الخراقة والرقاعة ليخرب علاقة دولتين صديقتين في سبيل قبلة وسيجار منطفئ، فالقبلة لم تتكرر لكن كيرتس ـ المخرج والكاتب ـ ظل يوحي بمونيكا من خلال البيريه التي سترتديها في نهاية الفيلم النادلة التي دوخت رئيس الوزراء والرئيس.

ولشدة واقعية الفيلم لك ان تتوقع فيه الكثير من المكرر وسقط المتاع، كالزوج الذي يشتري عقدا لعشيقته فتكتشفه الزوجة وتظنه لها ثم تكتشف الخديعة في موقف شديد التأثير امام سرير الزوجية البارد الذي صار من قلة الاستخدام الحميم كثلاجة الخضار.

«الحب حولنا في كل مكان». هذه رسالة الفيلم منذ مشاهده الاولى ومع تقدم الاحداث المغلفة بسخرية مريرة ندرك انه حولنا لكن نادرا ما نعرفه او نحس به الى ان نوشك على فقدانه اما رسل الحب وهم مطربو الاغاني العاطفية، فالفيلم يسخر منهم سخرية عصماء من خلال مطرب سابق يعود ليحتل الساحة باغنية لعيد الميلاد وهو مثل جميع من حوله يبحث عن الحب فلا يجد بعد تعب الا عند مدير اعماله ؟الملظلظ الذي يحتمل غلاظاته لقناعته بموهبته التي تفسدها صراحته.

وفي هذا الفيلم الذي سيكون حديث الساعة حتى مطلع العام الجديد نجوم بالجملة وقصص حب بالمفرق، فالحب في كل مكان لكننا نخاتله. ونهرب منه ونبتذله ونرجمه ونقزمه او نؤسطره لاننا نخاف منه، ومن ذا الذي لا يخاف من اكسير سحري له القدرة على ان يميتك او يحييك، او يجعلك معلقا بين السماء والارض كغيمة لا تدري متى تتبخر او متى تمطر؟ ولا في اي اتجاه تأخذها الريح.