...الجشع والربح أولا

TT

اهم خبر تناقلته الهيئات الطبية في الاسبوع الماضي هو التجربة العلاجية لازالة الرواسب الشحمية من الشرايين المترسبة على جدرانها. وهو خبر سار جدا للذين يعانون من امراض القلب والشرايين المعرضين الى الذبحات والنوبات القلبية.

واذا ثبت هذا العلاج التجريبي في دراسات اخرى مستفيضة واوسع نطاقا تكون المهنة الطبية قد دخلت عهدا جديدا في العلاجات التي تمنع السكتات القلبية، وبالتالي تسجيل انتصار رائع على مرض يودي سنويا بحياة الملايين من الناس في شتى ارجاء المعمورة.

لكن لم يكن لهذا الاختبار ان يبصر النور لو لم تر فيه شركات الادوية بصيصا من الربح عن طريق تسجيل براءته، والا لكان اهمل شأنه شأن بعض اساليب العلاج المهملة والعقاقير المهمة جدا لكنها لا تُصنّعُ بكثرة لكونها لا تدر اي ارباح تجارية.

فشركات الادوية والعقاقير لا تعمل الا اذا كانت هناك حوافز مادية وارباح كبيرة، اما الحوافز الاخرى فلا تسأل.

المهم ان نتيجة الاختبارات أُعلنت في الاسبوع الماضي من دون حسم النتيجة بشكل قاطع وان كانت المظاهر الاولية تشير الى صحتها، مما اثار حماس الهيئات الطبية والعلمية في كل مكان.

فقد جرى حقن بعض المرضى ببروتين معدل وراثيا سبب في زوال الترسبات الدهنية من جدران الشرايين على صعيد الحجم والسماكة. فقد كان معدل التناقص في الدهون بعد خمس حقن اسبوعية يزيد كثيرا عما تحقق في الماضي عن طريق الادوية والوجبات الغذائية. وكانت المادة المحقونة تحتوي على جزيئات مهندسة وراثيا هي شكل آخر من بروتين اساسي للكوليسترول عالي الكثافة الذي يدعى الكوليسترول الصالح او الحميد.

وكانت شركات الادوية لفترة من الزمن تحاول تطوير حبوب تنشط الجسم لينتج كوليستروله الخاص العالي الكثافة ولكن من دون اي جدوى، لذا حاول العلماء اسلوبا آخر وهو حقن جسم المريض مباشرة بكوليسترول عالي الكثافة فكانت المفاجأة. فقد طبق هذا الاسلوب في الحيوانات قبل اكثر من عقد من الزمن، لكن شركات الادوية رفضت تطوير الامر رغم النجاح المبدئي الكبير الذي تحقق. والسبب ان هذه الشركات لم تجد فيه اي منفعة اقتصادية في استخدام بروتين الجسم الطبيعي العادي للاغراض العلاجية لانه لا توجد في الامر براءة اختراع او ابتكار دواء. فدواء مثل هذا متوفر في كل مكان، ويمكن تحضيره وتسويقه من قبل اي هيئة لانه لا يحقق سوى القليل من الارباح. لكن هذه المرة جرى الدوران حول هذه المشكلة عن طريق استخدام شكل كامن من بروتين الكوليسترول الحميد اكتشف وجوده بين نحو 50 مواطنا يقطنون قرية ايطالية صغيرة، حيث اخضع لعمليات مطولة من التعديل الوراثي، مما جعله فريدا في نوعه ويمكن تسجيل براءة اختراع بحقه لمنح ترخيص انتاجه مقابل ارباح طائلة.

في اي حال تحاول العديد من الشركات حاليا تطوير اقراص او حقن خاصة بها من الكوليسترول الحميد العالي الكثافة لتشكل سلاحا جديدا ماضيا لفتح الشرايين المسدودة، وهي اخبار سارة فعلا، لكن غير السار ابدا هو ان هذا العلاج الرائع جرى تجاهله قصدا وعمدا فترة طويلة من الزمن، ذهب خلالها الملايين من الضحايا لكون الامر لا يحقق ارباحا فورية.

لقد كان الاولى بالمؤسسات الطبية والعلمية في الغرب ومراكز الابحاث والجامعات التي تُنفق الملايين من الدولارات على الابحاث ان تروج لمثل هذا العلاج وغيره من العقاقير الاخرى التي تعتبر غير مربحة لخدمة الانسانية وانقاذ البشر من عللهم.

ان هذا الاكتشاف يسلط الضوء بشدة على هفوات اخرى مشابهة ارتكبت عمدا وقصدا بحق الانسانية لا لغاية سوى الشجع الذي تمارسه شركات الادوية والعقاقير بأبشع صورة، رغم انها اغنى المؤسسات في العالم قاطبة والتي لا تقترب الخسارة منها الا نادرا.