لزوم ما لا يلزم... في مجلس الأمن

TT

متى كانت اسرائيل ملزمة باي قرار دولي كان لتعلن من جديد انها لا تشعر بأنها «ملزمة» بتبني مجلس الامن الدولي، بالاجماع، مشروع «خريطة الطريق» للتسوية المقترحة للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي؟

حين تبنى الاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة مشروع «خريطة الطريق» الاميركي، شهرت اسرائيل 14 «تحفظا» عليه. وحين تبنى العالم كله المشروع ـ ممثلا باجماع مجلس الامن عليه ـ اعتبرته، ببيان رسمي، «تدخلا» في تطبيق مشروع عملت المستحيل لوأده في المهد.

لماذا تتجشم اسرائيل عناء الاعلان عن رفضها لقرار دولي جديد وسجل تعاملها مع قرارت الاسرة الدولية كاف، بحد ذاته، لابلاغ العالم موقفها المزمن من قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة؟

خريطة الطريق وضعت اصلا في اطار التمهيد الاميركي لاحتلال العراق، وبموجب نصيحة من رئيس الحكومة البريطانية، توني بليرللرئيس الاميركي جورج بوش، عن أهمية تهدئة مخاوف الرأي العام العربي الذي لم يعد يحتمل المصادرة الاميركية ـ الاسرائيلية الحصرية لحق مواجهة الارهاب وتعريفه الانتقائي له في آن واحد.

ربما كان عرض مشروع خريطة الطريق على مجلس الامن اشبه باحالة البرلمانات العربية لمشاريع القوانين الى «اللجان المختصة»... لدفنها. ربما كانت موافقة واشنطن على تبني مجلس الامن للخريطة محاولة مستترة لرفع العتب عن ادارة جورج بوش في التقصير بتطبيقه وتحميل مجلس الامن مسؤولية الاخفاق في تنفيذ قرار آخر من قراراته بشأن القضية الفلسطينية.

الا أن توقيت إجماع مجلس الامن على خريطة الطريق إبان زيارة الرئيس بوش لتوني بلير في لندن يعطي هذا القرار بعدا حدثيا في وقت تتجدد فيه مساعي استئناف المفاوضات الثنائية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية. وإذا كان الرئيس الاميركي لم يوفر فرصة سانحة للاشادة بالروابط الوثيقة التي تجمعه بـ«صديقه العزيز» توني بلير وللتنويه بـ«العلاقة الخاصة» بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإن ما ابداه من بوادر تجاوب مع طروحات توني بلير بشأن العلاقة الاوروبية ـ الاميركية والمقاربة الدبلوماسية للتسوية الشرق اوسطية قد تشكل مبررا لاشاعة أمل، ولو واه، باحتمال خروج واشنطن من مشاكل الشرق الاوسط بحلول لا تفني الغنم ولا تقتل الراعي، اي حلول بريطانية الوحي.

الا ان ذلك يفترض التزام الرئيس بوش برؤيته لما اعتبره في خطاب لندن «الأعمدة الثلاثة» للسلام والامن في العالم، ففي سياق تحديده لهذه الاعمدة أكد بوش على دور الولايات المتحدة في السعي لتحويل الامم المتحدة الى «أداة فاعلة في (نظام) الامن الجماعي»، من جهة، ووازن، من جهة اخرى، ضغوطه على الاوروبيين لحملهم على مقاطعة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بدعوته اسرائيل إلى وقف بناء المستوطنات اليهودية فوق الاراضي الفلسطينية وتجميد إقامة جدار الفصل داخل هذه الاراضي.

قد يندرج كلام الرئيس بوش المتوازن، بالمقاييس الاميركية على الاقل، في خانة تقديم ترضية سياسية لصديقه العزيز، توني بلير. في وقت تشعر فيه بريطانيا ـ الاكثر خبرة بالشرق الاوسط من الولايات المتحدة ـ بأن لاحتلال العراق ثمنا عربيا باهظا لم تسدد الولايات المتحدة قسطا واحدا منه بعد.

ولكن كلام بوش يبقى تسجيلا اعلاميا لموقف رسمي من مشروع تسوية فلسطينية ـ اسرائيلية اقترحته ادارته نفسها، وتبناه مجلس الامن بالاجماع... ولا تزال اسرائيل العقبة في وجه تطبيقه بتوسلها الحجة اثر الأخرى لرفضه.

من هنا ضرورة التساؤل عما سيفعله بوش في واشنطن لوضع كلامه في لندن موضع التنفيذ، خصوصا ان تجارب محادثاته السابقة مع بلير أظهرت، في اكثر من مناسبة واحدة، بانه حتى لو توصل بلير الى إقناعه بموقف ما يبقى قرار بوش النهائي منه رهن اقناع الاطراف الاخرى في ادارته بجدواه، وخصوصا صقور الجمهوريين في البنتاغون. ولكن العودة الى السوابق في هذا المجال، تظهر أن سجل بوش في اقناع معاونيه بوجهة نظره الشخصية ليس واعدا... علما بان اهتمامات بوش الاساسية ستتركز، خلال السنة الاخيرة من ولايته، على فرصه في تجديد هذه الولاية وتجنب تكرار تجربة والده... ولا حاجة للتذكير بأن مسيرة تجديد ولاية بوش تمر باللوبي الصهيوني في واشنطن.