أخطاء كثيرة فادحة.. واعترافات قليلة

TT

ماذا لو أنه، بقدرة قادر، اعترف كل أمرئ بالأخطاء التي اقترفت بشأن الاطاحة اليسيرة، على نحو مدهش، بصدام وعواقبها الدموية غير المتوقعة، والأخطاء التي تقترف الآن في عملية بناء الديمقراطية؟

1 ـ في لندن يمكن لمزيج من الانعزاليين والمناهضين للعنف واليساريين المناهضين لبلير ـ الذين كانوا واثقين من أن بوسعهم إفساد الزيارة الرسمية عبر وصف بوش بغول عسكري ـ أن يعترفوا بأنهم كانوا أقلية صاخبة، وان عدم لياقتهم اعاد تأكيد معظم البريطانيين على الأواصر بين البلدين الناطقين بالحرية، واللذين يقودان العالم في عملية إلحاق الهزيمة بالمستبدين.

2 ـ كان يتعين على الجنرال ويسلي كلارك، ان يعترف بأن قراءته المبكرة لخطة حرب البنتاغون على محطة «سي إن إن»، كانت تتسم بالذعر المفرط. وكان المحللون الآخرون، الذين كانوا يخشون الاصابات الكبيرة في صفوف المدنيين، والأعداد الهائلة من اللاجئين، والكارثة البيئية الناجمة عن إشعال حقول النفط، وأم المعارك في شوارع بغداد الضيقة، على خطأ فاضح.

3 ـ ان المثاليين الصقور من أمثالي، ممن اعتقدوا أن العلماء العراقيين، وبينهم «الدكتورة جراثيم»، يمكن أن يتقدموا للكشف العاجل عن مواقع إخفاء الأسلحة البيولوجية، كانوا على خطأ على الأقل الآن.

4 ـ يمكن لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد ان يعترف بحرية، بأنه لم يكن يتوقع اختفاء قوات الحرس الجمهوري العراقية، وظهور التمرد البعثي الارهابي الذي اوقع ضحايا وسط قوات التحالف، وأدى الى اخراج الامم المتحدة ووكالات الاغاثة من العراق. في نفس اليوم سيعترف كل من وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، جورج تينيت، بأن رفض تدريب عناصر عراقية في اوروبا، خلال فترة ما قبل الغزو، على عمل الشرطة ومكافحة عمليات حرب العصابات، كان اتجاها خاطئا.

5 ـ المستشار الألماني غيرهارد شرودر، الذي اصبح رفيقا للرئيس الفرنسي جاك شيراك في معارضة الولايات المتحدة وبعض دول الجوار في اوروبا، سيعترف بأن وضعه لألمانيا في موقف الحليف الاطلسي غير الموثوق به وكبلد يمارس التخويف في اوروبا الوسطى، كان خطأ دبلوماسيا واقتصاديا، وأن محاولات الحديث المعسول مع المستثمرين الاميركيين لم تقترب من علاج الموقف.

6 ـ الشخصيات الخفية السابقة، التي اقنعت المراسلين بأنه لم تكن هناك علاقة بين نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين وشبكة اسامة بن لادن، ستؤكد بصورة مباشرة، على انها لم تكن مطلعة على علاقات الجانبين على مدى عقد من الزمن، حسبما ظهر في مذكرة سرية للجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، بناء على طلب وكيل وزارة الدفاع دوغلاس فيث. (المذكرة السرية المشار اليها، التي تضمنت تفاصيل حول خمسين حالة تؤكد هذه العلاقة، لم تلحظها وسائل الإعلام الرئيسية، لأنها ظهرت في «ويكلي ستاندارد» الحالية، لكنها تخضع الآن لتحقيق حول تسربها ـ وهذا خطأ آخر من شأنه ان يضيع المزيد من الوقت).

7 ـ القادة الاكراد في مجلس الحكم الانتقالي، الذين دفعتهم المظالم السابقة الى رفض العرض التركي بإرسال قوات قوامها عشرة آلاف جندي وضابط الى العراق للمساعدة في السيطرة على حملة الارهاب، سيدركون بعد فوات الاوان انهم لم يغضبوا اميركا التي تؤيد القضية الكردية، وحسب، وإنما فوتوا فرصة تاريخية لتجاوز سوء النوايا الذي تضرر منه الاكراد اكثر من الاتراك.

8 ـ اعترف بول بريمر مسبقا، بأن قرار حل الجيش العراقي السابق، وخصوصا الضباط، كان خطأ. ولكن اذا جرى إعادة هذه المجموعة، التي تتكون في غالبيتها من السنة، الى العمل مجددا في الجيش، وأعيد تسليحها، فمن الذي يضمن عدم إقدامها على تنفيذ انقلاب عسكري بعد إجراء الانتخابات، وتسليم غالبية السلطة الى الاغلبية الشيعية ومغادرة قوات التحالف للعراق؟ الذين باتوا متأكدين من ان إجراء تسريح جيش صدام السابق كان اجراء خاطئا، يجب ان يعترفوا بأن ما حدث كان خطأ فادحا.

9 ـ بنفس الطريقة، اعترفت الولايات المتحدة، الآن، بأنها كانت مخطئة على مدى شهور بمتابعة مطالب آية الله علي السيستاني، بأن تجري صياغة الدستور قبل إجراء الانتخابات وتحويل السيادة للعراقيين. ويشعر السنة من جانبهم بالخوف ازاء الغالبية الشيعية. وتحت ضغوط البيت الابيض تغلب بول بريمر على آية الله السيستاني، على اساس نقل السيادة الى العراقيين اولا ثم إجراء الانتخابات في وقت لاحق.

10 ـ ترى ما هو أكبر خطأ جرى الاعتراف به؟ ربما يأتي ذلك من الخبراء الغربيين، الذين ظلوا يرددون على مدى سنوات، وعلى نحو تشاؤمي، ان الديمقراطية لا تناسب العرب ثقافيا ودينيا.

ثمة اخطاء ارتكبت في التغلب على هذا المفهوم. وسترتكب اخطاء في كسب هذه الحرب، إلا ان الدفع باتجاه الحرية والارتقاء بها ليست خطأ.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»;;