شارون وبوش يرقصان الدبكة ويغنيان دلعونا

TT

من الواضح جدا أن بوش (والأميركيين) وشارون و(الاسرائيليين) يعرفون بالضبط الطريقة التي يعمل بها العقل العربي عامة والفلسطيني بصفة خاصة. وكلاهما يعرف ويفهم أنهما ـ الفلسطيني والعربي ـ يمكن أن ينفقا الليل رقصا على إيقاع لحن موسيقي لا يتجاوز الثلاث أو الأربع نغمات مصحوبا بإيقاع من الأرجل لا يتعدى الخطوة ونصف الخطوة.

واليهم نُعّرف الـ«دلعونا» ونقول إنها الأغنية الشعبية الأكثر تعلقا بالذاكرة الفلسطينية على مر التاريخ وقد ظللنا نغنيها لقرون، وهي تبدأ عادة بآلة موسيقية واحدة تقدم نغما بسيط التكوين تردده لعدة مرات ليبدأ المغني القيام بنفس الشيء لتتلوه الآلة عودة الى لحنها البسيط ولعدة مرات ثم المغني وهكذا، ومن الممكن لهذا التبادل أن يستمر طوال الليل. وكل الأغنية لا تتجاوز في نصها عبارة واحدة يمكن أن تتردد مع كل مقطع طوال الليل.

أما «الدبكة» فهي رقصتنا المحببة على مدى القرون، وهي تبدأ بشخصين أو أكثر يمسكون بأيدي بعضهم البعض ويرقصون على شكل دائري مصاحبين استدارتهم بإيقاع يضرب الأرض بالرجل اليمنى لمرتين فيما تبقى الرجل اليسرى مرفوعة لتضرب هي الأخرى الأرض لمرة واحدة بعدها. وللرقصة هنا أن تستمر هي الأخرى طوال الليل من دون تعب وبمتعة لا يوقفها الا بزوغ الصبح.

وفي الحقيقة فالأمر يبدو في معظمه، ان لم يكن كله، كما لو أن الادارات الاميركية والاسرائيلية قد فهمتا ذلك طوال 55 عاما مثلما فهمتا استمتاعنا بمشاهدة وسماع، والرقص مع نفس الأغنية مرة ومرة مرة. والى ذلك فقد أعاد الرئيس بوش من لندن قبل أيام رؤيته لمسألة الدولتين وهما تعيشان وتتعايشان جنبا الى جنب، ولكنه وبالطبع طلب من الأوروبيين أن يتجنبوا ياسر عرفات، فيما يرغب شارون الآن في التحدث الى رئيس وزرائنا أبو علاء، في الوقت الذي يعربد فيه جيشه على امتدادات أرضنا دمارا لم يحدث من قبل، وبقوة عسكرية لم يسبق استخدامها خلال حرب 1948، وهم يتحدثون الآن عن خريطة طريق جديدة.

نحن الفلسطينيين ظللنا نستمتع بهذه الأغنية ونرقص عليها 36 عاما من دون أن نبدي أي علامات للإرهاق. وفيما يلي سرد تاريخي لأشهر الاتفاقيات التي نقبت عنها، بدءا من قرار الامم المتحدة 242 عام 1967، وهي: خطة جونسون 1968، خطة كيسنجر 1973، قرار الأمم المتحدة 338 عام 1973، خطة مناحيم بيغن 1977، اتفاقية كامب ديفيد 1978، خطة جيمي كارتر 1978، خطة اندريه غوروميكو 1979، اعلان البندقية 1980، خطة الأمير فهد 1981،خطة رونالد ريغان 1982، خطة القمة العربية 1982، خطة الأمير حسن ولي عهد الاردن 1982، الاتفاقية الاردنية ـ الاسرائيلية (وثيقة لندن) 1987، خطة جورج شولتز 1988،خطة شامير 1989، خطة مبارك 1989،خطة جيمس بيكر 1989، مؤتمر مدريد 1991،اتفاقية اوسلو 1993، اتفاقية القاهرة 1994، اتفاقيات الخليل 1997، خطة وارن كريستوفر 1997، اتفاقية واي ريفر 1998، كامب ديفيد 2000، اتفاقية طابا وشرم الشيخ الأولى والثانية، خطة ولي العهد السعودي الأمير عبد الله 2001، خطة القمة العربية 2001، اتفاقية العقبة 2003، اتفاقية جنيف 2003.

والى ذلك فالشيء الوحيد الذي برهن على أنه صحيح في كل هذه الخطط والاتفاقيات هو أنها لا تعمل أو لا تطبق، كما أن الذين قاموا بصنعها يعرفون ذات الحقيقة، فيما ظللنا نحن نرقص على أنغامها، وجميع هذه الخطط والاتفاقيات على نفس سلم «دلعونا» مع فوارق ضئيلة فيما بينها، ولذلك فمع بعضها تواصل رقصنا للأمام وللخلف فيما تحركنا مع بعضها الآخر من جنب الى جنب، ومع ذلك ظلت الحقيقة الهستيرية والمحزنة أننا ما زلنا نرقص ونستمتع بشارون وهو يعزف مقطوعة خط أنابي «شبابة» وببوش وهو يغني «دلعونا»، فيما نحن نجود في رقصة «الدبكة» لتمضي بنا الحياة بنغمتين موسيقيتين ورقصة بالخطوة ونصف الخطوة.

ومن الواضح هنا أن اسرائيل والغرب لم يهزما أرضنا فقط وانما عقولنا أيضا، بل أفكارنا ومشاعرنا وفنوننا ومتعتنا، فاكتشفوا أننا يمكن أن نعيش وللأبد على اجترار وتكرار فقرات صغيرة وبسيطة من شاكلة «مفاوضات السلام» و«عملية السلام» و«الاتفاقيات» و«الحكومات» و«السلطة»... الخ تماما مثلما هي أغنيات «الدبكة».

ولذلك علينا انهاء كل هذه المعادلة والمطالبة بإنهاء سائر أشكال التفاوض، وأن نمضي مباشرة الى التسوية النهائية، ونحن هنا لا نحتاج الى خرائط طرق أو اتفاقيات انتقالية، كما لا نحتاج الى ترتيبات لبناء الثقة.

ولكن من الواضح أيضا أنهم لا يثقون بنا، وبالتأكيد فنحن أيضا لا نثق بهم. وكما قال محمود درويش «فأنا أرى منحنى الضفة، ولكني لا أرى النهر». وحينما استقال عام 1993، من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قال، أي درويش: «لقد أخذنا جيلين الى حتفهم في مشروع التحرير والاستقلال، ويبدو كما لو أننا قد تخلينا عنهم كلية تاركين اياهم لأرض الوحشية الجديدة، لا، الشهداء ليسوا أغبياء».

والى ذلك فنحن قد أخذنا في السنوات الثلاث الأخيرة جيلا ثالثا الى حتفه. فهل ماتوا عبثا؟

نحن نريد دولة فلسطينية. وعلينا أن ندفع العالم الى القبول بمبدأي السيادة والاستقلال. دع اسرائيل تحتل فلسطين، ليس الضفة الغربية وغزة، سمها فلسطين وليس الضفة الغربية، فنحن لا نحتاج الى قواميس للتفريق بين الـ«ض» والـ«غ» فلكل نهر ضفته الغربية، وقد وافقنا على أن نسمي الـ22 في المائة التي تركت لنا بعد قرار الأمم المتحدة 242 فلسطين. فما هو الفرق لدينا اذا احتلت اسرائيل فلسطين أو الضفة الغربية؟ فنحن نرقص «الدبكة» بينما هم يبنون لتغيير الواقع على الأرض حتى يأتي يوم لا نجد فيه أرضا نرقص عليها «الدبكة». علينا أن نجتاز كل «الخرائط» و«الطرق» وأن نمضي مباشرة الى اعتراف عالمي كامل بدولتنا فلسطين. ربما نبدأ باعتراف من دولة واحدة في العالم لنبني عليه كما فعل اليهود في الجزء الأول من القرن الماضي. وبوسعنا أيضا أن نغير الحقائق على الأرض، وكل الذي علينا أن نفعله هو أن نحاول. وربما يبدو الأمر وكما لو أننا سنخسر في البداية ولكننا سننجح ونسود في النهاية، لأننا وبهذه الطريقة نكون قد فكرنا مثلهم. وأخيرا دعونا نفهم غناءهم ورقصهم لنؤديه لهم، ودعوهم يتجاوبون معنا في مكان تجاوبنا وعلى الدوام لهم، دعونا نراهم يتمايلون يمنة ويسرى..!

* كاتب فلسطيني مقيم في أميركا