قمتان... لا واحدة في الكويت

TT

قمتان خليجيتان، لا قمة واحدة فقط، ستشهدهما الكويت بعد أسابيع قليلة. الأولى قمة سياسية ـ أمنية ـ اقتصادية تجمع قادة مجلس التعاون بين 21 و22 ديسمبر(كانون الأول) المقبل. والثانية قمة كروية تجمع منتخبات الدول الخليجية الست، وتقام بعد ذلك بيومين وتستمر حوالي أسبوعين.

طبعاً، لكل قمة ناسها وجمهورها وأهلها، ولكل قمة أصولها وقواعدها وشروطها. وفي العادة تتحول دورات كرة القدم إلى مهرجانات شعبية ووطنية، سيما في هذا الجزء من العالم، والسبب أن الرياضة في هذا العصر أصبحت جزءاً من صورة المحيط الذي تمثله.

وقد أثبتت الكرة الخليجية في مناسبات كثيرة أنها جديرة بالاحترام والإعجاب، سواء على أرض الملعب أو في مقاعد المتفرجين. وما ينطبق على الكرة الخليجية في هذه الحالة لا ينطبق بالضرورة على الكرة الإنكليزية أو الهولندية أو التركية، ففي حين تطرح لندن نفسها مثلاً على أنها مدينة التسامح العرقي في العالم، يعطي مؤيدو منتخبها صورة سيئة لمجتمع لا يقبل الهزيمة على أرض الملعب.

للكرة سحر وطني وعالمي، ولا شك أنها تحمل شيئاً من الاعتزاز الوطني لأنها مباراة لفريق كامل وليس لفرد، ولذلك نجد رغبة قوية عند الفرق المشاركة في الدورات والبطولات للفوز بالكأس. وفي الولايات المتحدة حيث كرة القدم لا تزال حديثة العهد فإن الناس تتحزب لكرة السلة أو «البيسبول»، إلا أن اللاعبين الأميركيين حققوا في كرة القدم ما لم يحققوه في أي رياضة أخرى، إذ أنهم أنهوا في كأس العالم عام 1998 حوالي عشرين سنة من الاحتقان النفسي مع إيران بأقل من 90 دقيقة.

وفي استراليا كانت «الرغبي» هي الرياضة المفضلة لدى الأستراليين حتى جاء الإنكليز منذ أسبوعين، وهزموهم في عقر دارهم في نهائي كأس العالم. كما أن «الكريكت» كانت الرياضة الأولى في باكستان إلى أن حصل ناصر حسين على الجنسية البريطانية وأصبح «كابتن» منتخب إنكلترا.

وفي مثل هذه المناسبات يكتشف العالم أن رونالدو مثلاً هو أكثر شعبية من كل الرؤساء الذين حكموا البرازيل، وأن إصابة زين الدين زيدان كانت أصعب على الفرنسيين من موت فرانسوا ميتران، وأن مدرب منتخب إنكلترا السويدي سفن غوران اريكسون قادر على الفوز بسهولة في الانتخابات البريطانية العامة إذا سمح له بخوض المعركة.

طبعاً، عندما تدخل السياسة إلى الرياضة، كما إلى أي شيء آخر، تفسدها بالتأكيد، والعكس غير صحيح. وطوال سنوات طويلة من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لم يتبادل الجانبان القطيعة إلا مرتين، الأولى في أولمبياد موسكو عام 1980 التي قاطعها الأميركيون بسبب احتلال أفغانستان (نعم أفغانستان)، والثانية في أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984 التي قاطعها الروس احتجاجا على مقاطعة 1980. لكن الأمر يختلف تماماً عندما تدخل الصداقة إلى الرياضة، كما هو الحال في البطولات الخليجية، بما في ذلك دورة الكويت التي يطمح منظموها لأن تكون الأفضل حتى الآن.

ومن حسن حظ دول المجلس أن السياسة لم تدخل إلى البطولات الخليجية خلال السنوات الماضية إلا بشكل عابر، ولو أن الأمر قد يتغير إذا ما سمح للعراق واليمن بالمشاركة في البطولة المقبلة. وقد يصح القول في هذه الحالة ان الرياضة هي التي تتدخل في السياسة، وليس العكس، باعتبار أن العراق واليمن يأملان أن تكون «خليجي 17» المقبلة هي البوابة التي سيعبران منها إلى العضوية الكاملة في المجلس.

وإذا كانت المتغيرات الرياضية قليلة خلال السنوات الماضية، فإن المتغيرات السياسية كانت كثيرة ومصيرية. وسيلاحظ وزراء الخارجية عندما يجتمعون في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل كم تغير جدول الأعمال أمامهم، وكم تغير المناخ السياسي من حولهم، وكم تغيرت العناصر التي تحيط بهم. والمؤكد أنهم سيكتشفون أن الخرز الأزرق لم يعد قادراً على أن يعيدهم إلى زمن الأمن المطلق الذي رافق مراحل الاستقلال، وأن هناك حاجة ماسة إلى تضامن حقيقي وفعال في هذا الشأن. وربما كان على أهل المجلس أن يدركوا أن التعاون بين دول المؤسسة الواحدة ليس ظرفياً أو انتقائيا أو حتى مرحلياً، فالدول الست التي يربطها الماضي والحاضر، لا بد أن يربطها المستقبل أيضاً.

هذا سياسياً، أما كروياً، فالآمال معقودة في «خليجي 16» على فائز جديد من خارج النادي التقليدي للفائزين ليبقى بريق المنافسة مستقلاً وقوياً. وهناك من يردد بصوت عال: «انتظروا المفاجأة هذه المرة من سلطنة عمان أو البحرين، لكن لا تستبعدوا دولة الإمارات أو قطر، وتوقعوا مباراة نهائية مشوقة بين السعودية والكويت».