الوقاحة والتهذيب في الجدل الأميركي الدائر

TT

كتب إيريك آلترمان، في «ذي نيشن»، «أن واحدة من مشاكل التغطية الإعلامية لهذه الإدارة (الاميركية)، أنها تحتاج إلى شيء من الوقاحة». وكان مصيبا في ذلك من دون ريب. فليس ثمة طريقة مهذبة لتفسير لجوء الإدارة إلى الأرقام المطبوخة لتسويق تخفيضاتها الضريبية. أو كيف أدى غرورها وسذاجتها إلى إحداث كل هذه الفوضى في العراق. ولذلك كان متوقعا أن تلجأ الإدارة واصدقاؤها، بعد أن فشلوا في إقناع الناس بأن انتقاد الرئيس يعد عملا غير وطني، إلى دعوة الناس لالتزام الأدب، لإخراس اصوات معارضيها. ومن ناحية أخرى فإن نفس الناس الذين يصدرون الإدانات لما يسمونه انعدام الحساسية لدى الليبراليين، لا يترددون في التشكيك في دوافع خصومهم.

المحافظون الأذكياء يعترفون أن معسكرهم كان وقحا نوعا ما على ايام بيل كلنتون. لكنهم يقولون حاليا انهم تعلموا من تجاربهم، وأن الليبراليين الغاضبين هؤلاء هم الذين يعانون الآن من مشكلة. ولكنهم لا يستطيعون أن يقنعوا إلا أنفسهم بأن الليبراليين لديهم مشكلة غضب، ما لم يستخدموا معيارا مزدوجا. عندما تعبر آن كولتر عن أسفها لأن تيموثي ماكفي، لم يفجر «نيويورك تايمز»، فإن «وول ستريت جورنال» تحولها إلى نكتة وتقول ان الكاتبة لم تكن جادة، ولكن عندما يكتب آل فرانكلين عن الأكاذيب والكذابين، بروح هزلية، في كتاب رصين وموثق فإنه «ينحط بمستوى الجدل».

يضاف إلى ذلك أن إدارة بوش، التي تحب أن تصور نفسها كوارثة لتفاؤل الفترة الريغانية، لديها ميل نيكسوي قوي لإضفاء صورة الشياطين على خصومها. وعلى سبيل المثال هذا ما يقوله الرئيس بوش عن معارضي سياسته الاقتصادية:

«يقول البعض ان الكساد كان من المفروض أن يكون أعمق من ذلك. وأشعر بالقلق عندما يقول الناس ذلك».

واستخدام الرئيس لكلمة «البعض» تنجيه من خطيئة الكذب، لأننا إذا بحثنا في الأمر سنجد شخصا ما، في موقع ما، يقول بمثل ذلك القول. ولكن المعنى الواضح هو أنه أراد أن يقول ان خصومه لا يهمهم مطلقا تعافي الاقتصاد. ولكن هذا كله يعتبر لا شيئا إذا قورن بالتكتيكات المستخدمة حاليا في السياسة الخارجية. ويمكن إرجاع الحملة ضد ما يسمى «خطاب الكراهية السياسية» إلى اللجنة الجمهورية القومية. ولكن اللجنة كشفت في الأسبوع الماضي أول إعلان عن حملتها لانتخابات 2004، وكان علما مرفوعا لكراهية بلا حدود. ويقول هذا الإعلان:

«ينغمس البعض في مهاجمة الرئيس لأنه هاجم الإرهابيين».

وهنا أيضا نلتقي بتلك الكلمة الماكرة «البعض». وبالطبع هناك من يعتقد أننا يجب ألا نهاجم الإرهابيين. ولكن النقد الجاد الموجه للرئيس، كما تعرف اللجنة معرفة جيدة، هو العكس من ذلك تماما. وهو أن الرئيس بعد النصر الابتدائي في أفغانستان، حوّل انتباهه، بل حول موارد هائلة، من محاربة الإرهاب إلى أهداف أخرى. ما يقوله المعارضون هو أن فقدان الاتجاه ألحق بالحملة ضد الإرهاب أضرارا فادحة. فقد انتقلت الموارد الإستراتيجية المحدودة، مثل القوات الخاصة وطائرات البريديتور، من افغانستان إلى العراق، بينما انصرفت الموارد الإستخباراتية بما فيها المترجمون، من محاربة «القاعدة» إلى الغزو الأخير. وربما يكون هذا هو ما سمح لأعضاء «القاعدة» وقادتها، ومن ضمنهم أسامة بن لادن، أن يهربوا، وما يسّر لطالبان تجميع صفوفها والعودة إلى الهجوم. كما أن حرب العراق، حققت المعجزات بالنسبة لحملة التجنيد التي تقودها «القاعدة». هل إيراد كل هذه الحجج يعني مهاجمة الرئيس لأنه يهاجم الإرهابيين؟

وكان هدف الإعلان، من دون أن يذكر أي شيء يمكن ان يكون قابلا للدحض، هو الإيحاء بأن هناك صلة بين العراق وهجمات 11 سبتمبر.

(ونسبة لأن الوضع في العراق صار حرجا ومحرجا عاد هذا الادعاء فجأة إلى التداول، بالرغم من أنه لم تكشف اية أدلة جديدة على صحته). ولكنه يرمي ايضا إلى الإيحاء بأن المعارضين يهادنون الإرهاب.

وفي ضوء هذه الاعتبارات فإن كل هذا الصخب حول التهذيب، الغرض منه تخويف المعارضين لينزعوا سلاحهم من طرف واحد، وأن يكونوا مهذبين ويكنوا للرئيس احتراما فائقا، بينما يتجاهلون رئيس حملته وهو يعلن أن انتخابات عام 2004، ستكون خيارا «بين النصر في العراق وفقدان الأمان في أميركا».

ولكن إذا صرفنا النظر عن المعيار المزدوج، فما هي أهمية التهذيب؟ أنا شخصيا أدعو إلى المسلك الحسن وإلى التهذيب، ولكن لا نتحدث هنا عن حفل عشاء. فالمعسكران الواقفان على جانبي الجدل الوطني الدائر، بينهما خلافات عميقة حول قضايا أساسية، من السياسات النقدية والبيئة إلى الأمن الوطني والحريات المدنية. ومن واجب الخبراء والسياسيين، أن يجلوا هذه الخلافات، لا أن يقللوا من شأنها خوفا من أن شخصا ما يمكن أن يغضب من ذلك.

* «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»