مذكرة من صدام حسين لبوش: سأكسب مادام الشارع العربي متمسكا بهذا الرأي

TT

العزيز بوش،

مرت فترة طويلة منذ المرة الأخيرة التي تحدثنا فيها. فليس من السهل إخراج الشرائط من هذه الغرفة السفلية في تكريت. ولكنى أعتقد أن الوقت قد حان لنتبادل بعض الكلمات. لقد استمعت إلى خطابك عن الديمقراطية العربية في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية. سأعترف لك بهذا يا بوش: أنت وبلير تتفهمان المخاطر جيدا، ولكني اشك في قوة عزيمتيكما.

هل تفهمني يا بوش؟ هذه، هي فعلا «ام الحواسم». وربما لم تكن تقصد ذلك في البداية، ولكنك أشعلت بالفعل حربا ضخمة بين الثقافات، أي الحرب داخل الإسلام نفسه. والمنتصر في العراق سيكون له نفوذ هائل في هذه الحرب، التي انتشرت حاليا لتصل إلى بلدان مثل أندونيسيا والمغرب والعربية السعودية وتركيا.

وأظنك استوثقت الآن انني كنت مستعدا لهذه الحرب. فقد تخلصت من كل أسلحتي للدمار الشامل، وأخفيت متفجراتي واقمت شبكة تحت الأرض لمنازلتك بمجرد وصولك إلى داخل البلاد. ولكنني أدعو الله أن يبارك البرلمان التركي. فعندما منعك من استخدام الأراضي التركية في الغزو من الشمال، فقد أنقذ أولادي في المثلث السني. وعندما وصلت إلى بغداد من الجنوب كنا نحن قد لذنا بالظلال، وتحولنا إلى أشباح. ومع أنك احتللت مدننا السنية إلا أنك لم تهزمها. وإذا كنت قد تمكنت من الإجتياح من الشمال لكان لزاما على أولادي أن يشتبكوا معك ولكنت قد قتلتهم بالجملة، بالمئات. أما الآن فإن عليك أن تقتلهم بالمفرق، واحدا إثر آخر.

نحن لسنا مهووسين. بل نحن عمليون. لدينا خطة عملية شرعنا في تنفيذها: بدأنا بتدمير الأمم المتحدة والصليب الأحمر وهاجمنا خطوط أنابيب البترول. ثم بدأنا في مهاجمة الدول التي أرسلت قوات أو يمكن أن ترسل قوات في المستقبل، مثل إيطاليا والأردن وتركيا. ونحن نقتل الآن كل العراقيين الذين يتعاونون معك، من الشرطة والجيش والقضاة والتكنوقراط. نحن نعرفهم جميعا ونعرف أين يسكنون. نحن «عدو يتعلم». عندما تعدلون خططكم لمواجهتنا، نعدل خططنا لمواجهتكم.

نعم، نحن بعثيون علمانيون، ولكننا أجرينا إتصالات مع المقاتلين الإسلاميين من العربية السعودية واليمن وسورية وهم يقودون شاحناتهم الإنتحارية في شوارعنا حاليا. هناك وفرة من المتطوعين، ووفرة من الأهداف السهلة.

ونحن مؤمنون تماما بأننا إذا هزمناكم هنا فإن النفوذ الأميركي، الثقافي والسياسي والإقتصادي، سينتهي تماما في هذه المنطقة، ولمدة قد تطول.

حتى الآن أشعر براحة شديدة. ورغم كل عزلتي في هذا الخندق السفلي، فإنني أعرف أن وجهة نظري عن هذه الحرب، وهي أن الأميركيين جاءوا إلى هنا لإهانة العرب وسرقة بترولنا، هي السائدة وسط الرأي العام العربي. وإنه ليسرني أن العناصر غير المؤهلة وغير المتسامحة من الدعاة الدينيين والوعاظ والقادة الروحيين «والمفكرين»، والذين يسيطرون على مدارسنا ومساجدنا منذ فترات طويلة، ولأن الطغاة من أمثالي كانوا يستفيدون منهم، ما يزالون يغذون عقول الشباب بهذه الآراء. وهم يعتقدون أن السبب الوحيد لتخلفنا هو أنتم وإحباطكم لجهودنا. وما دام الشارع العربي متمسكا بهذا الرأي فإنني سأكسب. فهو يعني ببساطة أن الناس سيفضلون حكاما قساة مثلي، أو مثل بن لادن، يثأرون لكرامتهم، حتى ولو بصورة مؤقتة بحشرهم اصبعين في عيونكم، على النظر إلى داخل ذواتهم والإعتراف بأن مجتمعاتنا وزعماءنا الدينيين وثقافتنا فشلت جميعا في إعداد شعوبنا للنصر في معركة الحداثة.

تغيير هذا الواقع هو هدف حرب الأفكار الدائرة حاليا. وأنا سعيد كذلك لأن أداءك في هذا الجانب يتسم برداءة لا تخطئها العين. وطالما سمحت لواحد من أكبر جنرالاتك ولأصدقائك في أقصى اليمين المسيحي، بصب جام كراهيتهم على النبي محمد، فإنك ستقوي من إرادة شبابنا في منازلتهم لكم. أما حلفاؤك «المعتدلون» من العرب، فهم يجيدون أساليب القمع البوليسية لشبابنا الغاضب المقهور ولكنهم لا يملكون أية استراتيجية لإعطاء هؤلاء الشباب وظائف جديدة وأفكارا جديدة ومعتقدات جديدة.

نعم، يا بوش، لقد حركتما، أنت وبلير، شيئا ضخما وأشعلتما حرب أفكار مع الإسلام وداخل الإسلام. إنها حرب بنفس حجم الحرب الباردة. أنتما تتحدثان عن تغيير حضارة كاملة. حضارة تهددكم عناصرها المتعصبة والمتخلفة، خاصة عندما تضع أياديها على التكنولوجيا الحديثة.

ولكن البنتاغون التابع لكم يتحدث فقط عن سحب القوات من العراق، بينما يفرض عليكم الوضع أن تجلبوا مزيدا منها. مالكم كيف تحكمون؟ كان عليكم أن تحضروا كل جندي لديكم حاليا في أوروبا واليابان، وأن تحضروا هؤلاء اليوم وليس غدا. إن اللعبة كلها يمكن حصرها في الجانب الأمني. ونحن في سباق نريد أن نحدد خلاله من يصل إلى النقطة الأخيرة قبل صاحبه. وسيقف العراقيون مع الفرس الفائز في السباق، مع الفرس الاقوى. وأنا أراهن على خلق قدر من عدم الأمان يجعل العراقيين يلعنونكم، قبل إغرائهم بتنفيذ البرنامج الذي تطرحونه في إقامة نظام ديمقراطي يحل محلي.

ما زلت أعتقد أنني يمكن أن أنتصر. فأنا عبأت قاعدتي لخوض أم الحواسم، أما أنتم فقد حضرتم قواعدكم لأم الجوافل. لحرب قصيرة، بعدد قليل من القوات، وعدد قليل من الجنازات وبلا تضحيات يقدمها الأميركي العادي.

معذرة يا صديقي، ولكن ما هكذا تكسب المعارك الكبيرة!!

*خدمة نيويورك تايمز- خاص ب«الشرق الأوسط»