عضلات أميركية مدمرة.. لا معمرة

TT

ترد في الآونة الاخيرة سواء في صحيفتكم الموقرة تعليقات متضاربة حول تركيا. وعلى الرغم من كون اغلبها سلبية الا ان الايجابية منها موجودة ايضا.

لقد اولت كافة الاحزاب الحاكمة والمعارضة في تركيا طيلة الثمانين عاما من تاريخ الجمهورية، اهتماما بالغا لعلاقات حسن الجوار. يعتبر العهد العثماني الذي ارتبطت فيه تركيا مع العراق او بقية جاراتها بروابط تاريخية، من ألمع فترات الثقافة والتاريخ الاسلامي واكثرها ازدهارا. فقد نشأت خلال هذا العهد وحدة الدين، والثقافة والتاريخ بين الشعبين التركي والعربي، ووجدت منطقة الشرق الاوسط عامة، ومن ضمنها القدس والاراضي الفلسطينية، الطمأنينة والسلام خلاله. أي ان الدولة العثمانية لم تكن دولة استعمارية كما افاد، بول بريمر الحاكم المدني الاميركي في العراق. فالدولة العثمانية لم تدمر اي بلد دخلته، بل تركت آثارا كبيرة طيلة حكمها لمنطقة الشرق الاوسط، حتى انها حافظت على الحضارات التي سبقتها بآلاف السنين في المنطقة. إلا اننا نجد القوات الاميركية في العراق اليوم، كما كان الحال في افغانستان، ورغم مرور ستة اشهر على الاحتلال غير قادرة على احكام سيادتها او تحقيق عمرانها. مما يدل على ان العضلات الاميركية ناجحة في التدمير وفاشلة تماما في اعادة الاعمار. وكما هو معروف ان الهدم سهل، إلا ان البناء صعب ولا يقدر عليه كل ذي شأن!

اما بالنسبة الى العراق، الذي ترتبط به تركيا بروابط عديدة وصلة قرابة بين شعبي البلدين، فقد بذلت تركيا ومنذ سنوات طويلة جهودا جبارة من اجل حماية وحدة اراضيه. كما كانت تركيا من اكثر البلدان الاسلامية التي بذلت جهودها من اجل منع وقوع العملية العسكرية الاميركية على العراق. وعلى سبيل المثال شرعت في مبادرة سلام قبيل العملية، وتمكنت من عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول المجاورة للعراق في اسطنبول بتاريخ 23/1/2003. وارسلت مبعوثيها الى العراق مطالبة السلطة بالخضوع لقرارات مجلس الامن الدولي وعملت كل ما في وسعها للحيلولة دون وقوع العملية العسكرية. لقد رأت تركيا الوضع الراهن منذ ذلك اليوم، الا انه ومع الاسف لم تصغ بقية جيران العراق للقلق الذي انتاب تركيا. والآن نرى نفس تلك البلدان ومعها بلدان اخرى تحاول من اجل احياء هذه المسيرة. فهل ادركت تلك البلدان الآن مدى احقية تركيا؟

لقد اعلنت تركيا مرارا وفي جميع تصريحاتها المتعلقة بالعراق بأنها تقف الى جانب الحفاظ على وحدة التربة العراقية ووحدته السياسية. واكدت ضرورة عدم منح اية فئة قومية وضعا قانونيا متميزا خلال مسيرة بناء دولة العراق االوطنية. وحتى في الآونة الاخيرة التي اندرج فيه مجددا موضوع ارسال جنود اتراك الى العراق، فقد كررت تركيا أن هدفها الاساسي هو توفير السلام والاستقرار في المنطقة. كما اكدت ان القوات المسلحة التركية سوف تحتضن الشعب العراقي كافة، إلا انها لن تسمح في الوقت ذاته باتخاذ عناصر الارهاب من العراق وكرا لها، وهذا حق طبيعي لها بعد كل هذه الخسائر التي تكبدتها.

إن قيام اي مواطن عراقي أيا كان انتماؤه القومي بحماية تربة العراق والدفاع عنه امر يستحق التقدير. إلا ان قيام اتحاد علماء الدين الاسلامي الذي يضم في عضويته أئمة وخطباء المساجد في شمال العراق بتحذيره من العواقب الوخيمة لدخول الجنود الاتراك الى العراق امر يسترعي الانتباه اليه. والامر الغريب ان اتحاد علماء الدين لم يصدر لحد الآن بيانا بهذا الاسلوب الشديد اللهجة ضد القوات الاميركية او البريطانية او بقية قوات الدول الاخرى التي يزيد عددها على العشرين دولة في العراق. وحتى انها لم تناشد الشعب الكردي لمقاومة صدام الذي قتل الشعب الكردي بأسلحته الكيماوية، لا علنا ولا سرا!! فاني اتساءل: اين كان هذا الاتحاد وحتى كافة المؤسسات والاحزاب السياسية والمنظمات المدنية في شمال العراق، عندما اخذت المدافع الاميركية وطائراتها تقصف مقرات انصار الاسلام والقرى المجاورة لها وتدمرها تدميرا تاما؟!

لكل هذه الاسباب اناشد الذين يتناولون الموضوع ويكتبون عنه الانصاف والاعتدال، خاصة الاكراد الذين ينبغي ان يحافظوا على الغصن الذي يقفون عليه.

* كاتب تركي