الظاهرة الخلخالية

TT

ذهب خلخالي جزار الثورة الايرانية بعد ان قتل الكثيرين بدم بارد باسم الثورة وباسم الاسلام. كان خلخالي نموذجا للقسوة والرغبة في اهدار دم الناس ولا يهم ان يكون الشخص بريئا او مدانا بتهم ملفقة، فالمهم هو انتصار الثورة على اعدائها!

ذهب خلخالي، لكن ماذا بشأن ضحاياه، من يعيد الاعتبار للأبرياء، ومن يمسح الدمعة المتجمدة في عيون ابناء وبنات وزوجات الضحايا، وهل يمكن المبالغة في ادانة خلخالي واعتباره ظاهرة شخصية، ونسيان حقيقة انه كان يقتل باسم الآخرين وباسم شعارات الثورة، وان هناك من عينه في منصبه وبارك اعماله وجرائمه بحق الناس؟

خلخالي اعدم الناس باسم الثورة وباسم الاسلام من دون ان يرف له جفن، ومن دون ان يشعر يوما بعبثية وجنون القتل والاستهتار. ومرة حين سألوه ماذا لو أن احدا ممن اعدمهم كان بريئا، جاء جوابه كالصاعقة «ان الله سيكافئه بمنحه غرفة اكثر اتساعا في الجنة وحوريات اكثر جمالا». هكذا وبكل بساطة يختلط مفهوم القاتل بمفهوم «رجل الدين» فيكون تبرير الموت للأبرياء تبريرا شرعيا لا تسنده حجة من ضمير او اخلاق. وهكذا يختلط مفهوم محاكم التفتيش في العصور الوسطى بمفهوم صكوك الغفران فتكون هذه النسخة الشرقية التي لا تدرك قيمة الانسان ولا تأبه بكرامته!

خلخالي ليس ظاهرة فردية ولكنه تعبير عن عقلية صادرت عقول الناس واعتقدت ان من حقها ان تفكر بالنيابة عنهم، وان تقتل بالنيابة عنهم، وان تؤلف مبررات اخلاقية ودينية لتبرير جرائمها، وأخطر ما في المسألة ان هذا العبث يتم باسم الدين وباسم الثورة وباسم الفقراء.

لا تختلف الظاهرة الخلخالية عن ظاهرة محاكم المهداوي في بغداد، ولا يمكن ان تنفصل عن مقتل الاسرة الهاشمية في انقلاب 1958 في بغداد، ولا عن جرائم القتل اليومية التي يمارسها الارهاب باسم الاسلام على امتداد العالم الاسلامي، والقتل لا هوية له فليس هناك قتل يميني وقتل يساري، والمشكلة الكبرى تكمن في مدى فهمنا لقيمة الانسان مجردة من كل الايديولوجيات.