سوف يكون واضحا

TT

قرأت في الكتابات الفلسفية وأنا شاب. وقرأت عن الفلسفة والفلاسفة. وعرَّفني الصادق النيهوم وأنا في الاربعين الى عدد من الفلاسفة الألمان فتعلقت ببعضهم ايضاً. لكنني في الصغر وفي الكبر تجنبت تلك التعقيدات التي تسمى فلسفة. ولم ابذل حتى المحاولة في الاطلاع على اعمال بعض المشاهير الذين يستخدمون جملاً ومصطلحات اطول واعقد من الهمِّ العربي. وظلت الفلسفة بالنسبة اليَّ هي الفكر المبسط افلاطون وأرسطو. او العقل الوجودي المبسط ايضاً مثل سارتر واريك فروم. فأنا لا اقرأ ما لا افهم. ولا احب الالغاز.

ثمة امر آخر، وهو انني اقدر جداً الترجمة. وادرك انه لا يمكن للحضارات والثقافات الاستمرار او التطور او النمو من دون التلاقح مع الثقافات الاخرى. وانا من الذين يعتقدون ان العقود، وليس العهود، المذهبة تميزت بوفرة الترجمات وكثرة التراجم. وهناك طبعاً عقل او حجر لا يقبل هذا المنطق. وهذا الحجر لا يفرِّق بين الافادة من البحث وبين الخضوع له، ولأنه حجر لا يعرف ان الثقافة الغربية بنت كل اركانها على التراث العربي والفارسي بالاضافة الى ما بنت عليه من حضارة يونانية او تأثيرات صينية. او سواها.

الذي اقدره اكثر من سواه في الترجمة هو عندما يكرس رجل او مجموعة من الرجال، الكثير من الوقت، لنقل اعمال «غير شعبية»، لا يقرأها او يعنى بها سوى النخبة الضائعة في النخب. ولكن بعض هؤلاء الاساتذة يكبدون انفسهم احياناً في نقل ما لا ينقل او ما لا يفهم اذا ما نقل الى اي لغة اخرى. فما هي الفائدة انذاك؟ لماذا لا نستبدل الترجمة هنا بإعادة الصياغة، او بالتعريب، او بالتبسيط. فالأمانة الحقيقية هي في نقل الفحوى والجوهر لا في نقل الشكل الذي يشبه الاحاجي الموضوعة لتوزيع الجوائز الكبرى على من يحلها. أي كلما كانت صعبة الحل كلما كبرت فائدتها.

ارجو ان يُفهم من كل ما سبق، انني مع الترجمة بدون تحفظ، وانني اقدر بصورة خاصة الترجمات «غير الشعبية». لكن الويل من النصوص المعقدة. خصوصاً الفلسفي منها. فلماذا «يترجم» بدل ان يصاغ؟ لقد اشتريت، بكل حماس وصدق كتاباً عربياً مقدراً التفات المترجمين الى هذا النوع الصعب من الفكر. وبدل أن اقرأ «حاولت» أن اقرأ. ثم حاولت. ثم قدمت استقالتي. لكن ليس قبل ان انقل الى جنابكم المقطع التالي كاملاً، فلعل القصور هو قصور في عقلي وفي مقدرتي.

فالكتاب يعنى بالصلة القائمة بين الظاهراتية الوجودية (سارتر وميرلوبونتي) والبنيوية (ليفي شتراوس ولاكان وبارت) وتنهض فكرة سيميولوجيا هرمنوطيقية على الهرمنوطيقا الاونطولوجية الهيدغرية كما سبقت اليها ظاهرة هوسيرل المتعالية، وعلى حفريات المعرفة لدى فوكو وتفكيك دريدا للنصوص. والحال نفسه هنا، ففكرة سيميولوجيا هرمنوطيقية تتحرك صوب «المكان القائم بين» الهرمنوطيقا والتفكيكية. ويمكن ان يدعى ذلك تفكيكية من نوع ما، تنهض على فهم واضح لكيفية عمل التفكيكية. وسيكون واضحاً، كما بينا في الفصل المختص، كيف يطلق اسم موقع بديل على «ممارسة الما بين» من دون تبني هوية البديل، بل بالأحرى من خلال تفصيل الاختلاف (او الاختلافات) بينهما. وبهذا الاعتبار يمكن ان تقرأ سيميولوجيا هرمنوطيقية على انها تفكيكية من نوع ما». انتهى

شكراً