بين خطتي كلينتون.. وجنيف

TT

لا تختلف كثيرا وثيقة جنيف التي وقعت امس في جنيف بين شخصيات فلسطينية واسرائيلية غير رسمية ، لحل نهائي للنزاع، عن خطة كلينتون التي تفاوض عليها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك في كامب ديفيد ثم استكملت بخطة اكثر تفصيلية في طابا في مصر لكنها انهارت في النهاية.

الفارق الاساسي والجوهري هو ان المفاوضات في كامب ديفيد وطابا كانت بين رسميين من الجانبين وبرعاية رسمية ووسط توقعات عالية اقليميا ودوليا بابرام اتفاق في النهاية يؤدي الى نقل جهود السلام الى آفاق جديدة ، بينما وثيقة جنيف التي تأتي ثمرة لـ 3 سنوات من التفاوض السري قاده يوسى بيلين من المعارضة اليسارية الاسرائيلية وياسر عبد ربه من الجانب الفلسطيني لا تتمتع بأي دعم رسمي وبالتالي فانها ورغم الحضور الدولي والاقليمي الكثيف لحفل توقيعها فهي غير ملزمة لأحد وقيمتها الرمزية اكبر من قيمتها الرسمية.

وقد يكون غياب الدعم الرسمي هو الجانب القوي في وثيقة جنيف بينما كان التفاوض الرسمي بدون تمهيد شعبي هو السبب في انهيار مباحثات كامب ديفيد الفلسطينية ـ الاسرائيلية ثم مفاوضات طابا التي جاءت في الدقائق الاخيرة لحكومة باراك.

بعبارة اخرى فان المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين في كامب ديفيد قبل سنوات وجدوا انفسهم استدرجوا بسرعة لم يكونوا مهيئين لها وتحت ضغط شديد لاتخاذ قرارات في اكثر قضايا النزاع سخونة والتهابا بالنسبة الى الرأي العام وهما قضيتا اللاجئين ووضع القدس.

واعتمدت مسيرة اوسلو للسلام الفلسطيني الاسرائيلي استراتيجية التدرج والبدء بالقضايا السهلة وترك الصعبة الى النهاية، لكنها مع عقبات التطبيق واتساع فجوة الثقة والشكوك المتبادلة تعثرت في البدايات ولم يكن هناك وقت للتفكير في الحلول النهائية، وعندما حاول الرئيس كلينتون القيام بقفزة ليدخل التاريخ كصانع السلام في الشرق الاوسط ودعا عرفات وباراك الى كامب ديفيد وقبلا ،لانهما لم يستطيعا رفض دعوة رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم، اكتشفا بعد المفاوضات الماراثونية والصور الحميمية التي التقطت هناك خلال التفاوض انهما لا يستطيعان اتخاذ قرارات في قضايا بهذه الحساسية لان الرأي العام لدى كل جانب كان بعيدا عما يحدث ولن يقبل بما يتفق عليه، فكانت المسألة بالنسبة لهما اشبه بالانتحارالسياسي اذا وقعا اي اتفاق.

وعلى العكس من ذلك فان وثيقة جنيف التي اكتسبت اهمية في الشهرين الاخيرين فقط وردود فعل حادة تجاهها لا تلزم سوى موقعيها، وان كانت من جهة اخرى تقدم للرأي العام الفلسطيني والاسرائيلي رؤية صاغتها اطراف من الجانبين للخروج من الانسداد الحالي ودوامة العنف، ولا تفرض عليه هذه الرؤية بحكم عدم رسميتها فهي موجودة للقبول بها او لرفضها.

ففي النهاية فان اي حل نهائي لقضية بهذا التعقيد والتشابك لا يمكن ان يتحقق على ارضية صلبة ما لم يكتسب شرعية من خلال تأييد الرأي العام واقناع الرأي العام به، ويبدو ان هذا ما تحاوله وثيقة جنيف.