حتى لا تشيخ التجربة الاتحادية الإماراتية قبل الأوان

TT

قد يكون هذا العنوان مستفزا للإماراتيين الذين يشعرون بالرضا عن ما حققته بلادهم من إنجازات بعد مرور أكثر من اثنين وثلاثين عاما على قيام اتحاد الإمارات العربية الذي يحتفلون بقيامه هذه الأيام، لكن تناول المناسبة بروح نقدية يؤكد أن هذه التجربة أصبحت من القوة والرسوخ بحيث تصبح أية مراجعة نقدية لبعض جوانبها مصدر إثراء لها وليس انتقاصاً من أهميتها ودورها الوطني والإقليمي. فدراسة التجربة الإماراتية من باب الإنجازات قد لا يضيف شيئا لكل ما قيل من قبل، الأمر الذي يتطلب مقاربة جديدة تعيد تقييم العوامل التي ساعدت على قيامها واستمرارها وتبحث في التحديات التي تنتظرها. والعديد ممن تصدى للتجربة الاتحادية الإماراتية بالدراسة والتحليل اعتاد القول إن قيام دولة الإمارات في مطلع السبعينات لم يكن وليد حركة سياسية محلية بقدر ما كان استجابة لظرف دولي وإقليمي ضاغط.

صحيح أن القراءة التاريخية تشير إلى أن قيام الإمارات لم يكن استجابة لإرادة شعبية بالمعايير التي كانت سائدة في ذلك الوقت إلا أنها بالقطع ليست صيغة فوقية، بل نتاج حماس مخلص للرواد الذين قادوا المسيرة الاتحادية وعلى رأسهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان لا يزال حاكما لإمارة أبوظبي، والذي كانت تتوفر أمامه فرصة الاستقلال في كيان سياسي بحدود الامارة، وهو أمر لم يكن ممكناً فحسب، بل كان يعني بالمفهوم الضيق الاستئثار بالثروة النفطية التي تملكها الامارة وعدم توظيف جزء كبير منها في سبيل بناء المشروع السياسي الاتحادي. هذه الوقفة التاريخية في ذكرى قيام دولة الإمارات العربية المتحدة لا يستهدف الإشادة بمن وقف خلف التجربة ولا الإشادة بما حققته من إنجازات، بل محاولة لوضع هذه التجربة في سياق مراجعة تحميها من شيخوخة مبكرة.

وضمن هذا السياق، فإن أبرز ما يجب العمل عليه نقل التجربة الاتحادية من الاعتماد على حماس القيادة التاريخية ورعايتها ووضعها في إطار عمل مؤسسي، إذ يجب الاعتراف أن عمل كثير من المؤسسات الاتحادية لم يتطور على مدى العقود الثلاثة الماضية.

وللتدليل على ذلك، فإن المجلس الأعلى للاتحاد لم يجتمع حسبما ينص الدستور منذ فترة طويلة وهذا معناه أحد أمرين: ان هذه المؤسسة لم تعد ضرورية كما كان الحال عند قيام الاتحاد، وبالتالي يتعين إعادة النظر في وجودها، أو ان هذه المؤسسة ضرورية، لكنها أصبحت محكومة بظروف أعضائها، وبالتالي يتعين الاعتراف بأن هناك نوعا من التجاوز للدستور وتعطيلا للمصالح. وفي كلا الحالين فإننا أمام وضع يحتاج إلى مراجعة. وهنا لا بد من القول إن المجلس الأعلى للاتحاد هو ثمرة مرحلة سياسية يمكن وصفها بمرحلة تأليف القلوب، حين كان يتعين ترسيخ مفهوم الوحدة. أما وقد أصبح الاتحاد خياراً نهائياً لأبناء الإمارات وحكامهم، فإن الواجب يقتضي مراجعة دور هذه المؤسسة والاكتفاء برئاسة الاتحاد التي تقوم من الناحية العملية بكامل الدور الذي كان يلعبه المجلس الأعلى للاتحاد.

وبعد المجلس الأعلى للاتحاد يأتي مجلس الوزراء الاتحادي الذي يتشكل على أساس المحاصصة بنسب تتناسب مع الحجم السكاني والجغرافي لكل امارة من الامارات الاعضاء، وهذه المحاصصة هي الأخرى جزء من حالة تأليف القلوب وكان من نتائج تلك المحاصصة هذا العدد الكبير من الوزارات الاتحادية الذي زاد على ثلاثين حقيبة وزارية في بلد لم يصل عدد سكانه عند قيامه عن مليون نسمة، وكان من النتائج ايضا وجود وزارات بلا أي عمل فعلي فضلا عن تضخم الجهاز الحكومي بشكل لا يتناسب مع محدودية الموارد البشرية. وزاد الطين بلة ان الوزارات الاتحادية كانت تجد نفسها في نزاع على الاختصاص مع السلطات المحلية.

ويبدو أن تنازع الاختصاص من جهة وترهل الجهاز الحكومي الاتحادي من جهة ثانية، قلّل من فعالية ودور الحكومة الاتحادية في حياة المواطنين للدرجة التي أصبحت فيه اجتماعات مجلس الوزراء تتباعد والموضوعات التي تناقش محدودة في اجتماعات لا تزيد مدة بعضها على نصف ساعة.

في ضوء هذا الوضع، فإن المراجعة المطلوبة لتركيبة ودور مجلس الوزراء الإماراتي تتطلب التخلي عن نظام المحاصصة في تشكيل الحكومة الاتحادية او تطبيقه ضمن حدود ضيقة لا يؤثر في الكفاءة والفعالية. فمرحلة تأليف القلوب على فكرة الاتحاد ورص الصفوف خلفها مرحلة عفى عليها الزمن ولم تعد مقبولة ومن لا يريد من الاتحاد غير المغانم لم يعد لديه مكان بين من يجد في الكيان الاتحادي حاضرا مزدهرا ومستقبلا مشرقا.

كما تتطلب تقليص عدد الوزارات الاتحادية الى حد الحاجة الحقيقية دون الانسياق وراء استحداث حقائب وزارية مظهرية ليس لها عمل فعلي.

كذلك يجب الانتباه إلى توسع دور الأجهزة المحلية وتزايد فعالية وموارد هذه الأجهزة التي تزيد كثيرا عن موارد السلطة الاتحادية. بعد ذلك تأتي المؤسسة التشريعية وهي المجلس الوطني الاتحادي الذي لم يبق فقط عند النقطة التي بدأ منها كهيئة استشارية، بل ان هذا الدور تراجع كثيرا في مستوى الموضوعات التي يطرحها وفي مستوى الجرأة في تناول الموضوعات. ولعلنا نذكر في هذا المجال ان اعضاء المجلس الوطني الاتحادي في المرحلة المبكرة من قيام الدولة الاتحادية، كانوا على صلة أوثق مع حكام الإمارات وكانوا يستمدون من هذه العلاقة الوثيقة قوة في الطرح وحماية من التعرض للمسألة بعكس ما هو حادث الآن، حيث تبدو العضوية مصدر وجاهة اجتماعية ودخلاً مادياً للعضو مما يدفع الكثيرين منهم لإيثار السلامة حتى تتجدد تسميتهم لعضوية المجلس في الدورة التالية.

ان المطلوب هنا إعادة النظر في أسلوب اختيار الأعضاء ليكون بالانتخاب بدلا من التعيين، كما أن المطلوب زيادة عدد اعضاء المجلس، إذ لا يعقل أن يكون عدد الاعضاء الآن مساويا لعدد الأعضاء قبل ثلاثة عقود، كما يتعين النظر بجدية إلى إشراك المرأة في العملية البرلمانية لا من زاوية مجاراة ما يحدث في المحيط الإقليمي، لكن انطلاقاً من الدور الذي تحتله في الحياة العامة.