يدا بيد: افنيري ونسيبه

TT

هناك ثلاثة سيناريوهات للمسألة الفلسطينية، سيناريو اليمين الاسرائيلي يقوم على التخطيط لطرد العرب من عموم فلسطين بارهاقهم والتضييق عليهم حتى تحين الفرصة لتنظيف الارض منهم. يقابل ذلك سيناريو اليمين العربي الذي يقوم على تنغيص عيش اليهود وارهابهم حتى يضيقوا ذرعا بوجودهم فيرحلون، كلا او بعضا، او ان تحين فرصة للعرب وتنهض بينهم قوة ضاربة تقضي على اسرائيل.

السيناريو الثالث يعتمده المعتدلون واليساريون والانسانيون، المؤمنون بامكانية غسل القلوب بين الشعوب، وخاصة بين ابناء العم من الساميين وبناء مستقبل مشترك للعرب واليهود.

اين تأتي فكرة دولة فلسطين وعاصمتها القدس..؟ هذه فكرة يؤمن بها من لا يؤمن بها. اتركها جانبا لانعدام السيناريو.

من ابرز الشخصيات، المؤمنة بتعايش الشعبين المفكر والنائب الاسرائيلي السابق اوري افنيري من الجانب اليهودي وسري نسيبه من الجانب العربي. احتفالا بالعام الجديد 2001، سار افنيري ونسيبه يدا بيد، في تظاهرة من المؤمنين بالتعايش والسلام المشترك ليعبروا عن هذا الايمان بالانسان والوحدة البشرية. اعترافا بسعيهما من اجل السلام والتصالح، قررت مؤسسة جائزة لف كوبلف الالمانية منحهما الجائزة المعروفة باسمها اعترافا بجهادهما من اجل السلام والتفاهم.

وقع بيدي الخطاب الذي ألقاه، افنيري في الحفل المقام بهذه المناسبة يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لقبول الجائزة. اوري افنيري اسرائيلي من اصل الماني انتقل مع اسرته الى فلسطين في العاشرة من عمره اثر ظهور هتلر على مسرح السياسة الالمانية. وهو يمثل عندي مأساة المثقف اليهودي المندمج الذي اجتاحته امواج الحركة الصهيونية، مثل الكثير من الادباء والشعراء والموسيقيين العراقيين اليهود من امثال ابراهيم عوبديا وسمير نقاش ونسيم رجوان وسواهم. نشأ افنيري في اسرة غارقة بتراث الآداب والموسيقى الالمانية. كان شرط الزواج لوالديه ان تحفظ امه رواية فاوست عن ظهر قلب وان يتعلم والده لعب التنس. استوفى والده الشرط ولكنه لم يواصل اللعب فقد آثر قضاء وقته مع برامز وبتهوفن وفاغنر.

اي مأساة هذه، ان يهجر شاب هذا التراث ويرحل من ضفاف الراين ويلقي بنفسه بين قوم لا يشاركونه تراثه وثقافته ولغته؟

يروي افنيري كيف جرفته معاداة السامية الى الصهيونية عندما صرخ احد الموظفين في وجه والده، انت يهودي ونحن لا نريد اليهود هنا. يمضي في كلمته ليحذر الجمهور العربي من هذا الخطأ الخطير عندما يتصورون معاداة السامية حليفا لهم. «للفلسطينيين اعداء كثيرون. ولكن ما من عدو لهم اخطر من معاداة السامية».

ينتمي اوري افنيري الى منظمة «غوش شالوم» التي تدعو للسلام بين العرب واليهود وسعت لانجاز اتفاق جنيف بين المعتدلين من الطرفين. المؤسف ان هذا الجناح العقلاني المعتدل لا يلقى ما يستحقه من تأييد رغم ان بيده الحل الانساني الحكيم لهذه المعضلة المستعصية. فما تحتاجه فلسطين بالضبط هو رجال من نوع غاندي ومانديلا وافنيري ونسيبه، رجال يؤمنون من اعماق قلوبهم، وليس من اطراف ألسنتهم، بأخوة الانسان بالمحبة والعدالة والتعايش والتعاون. المأساة الحقيقية لفلسطين ان رجل السيف فيها طغى على حامل غصن الزيتون. دعونا نعترف بذلك فطوال تاريخ هذه المعضلة، لم يظهر بين قادة العرب انطلاقا من المفتي امين الحسيني والقسام الى احمد الشطيري والزعماء الحاليين غير من يحملون في قرارة قلوبهم الكره لليهود والامل برميهم في البحر.