ظاهرة الاعترافات بالإكراه

TT

لا بد انه توجد استثناءات، لكن المعلوم ان من تعرض للتعذيب الشديد يعترف بالتهم الموجهة له حتى لو كانت عاقبة الاعتراف الاعدام. هذا رأي الكثيرين، وخاصة الجهات الحقوقية والانسانية في مصر التي تلح في مطالبتها بتغليظ الرقابة والعقوبات على من يمارس التعذيب في صفوف الشرطة. والمشكلة ليست في مصر وحدها بل في كل مكان يسمح فيه للمحققين الانفراد بالمتهمين والشهود والادلة جميعا بلا رقابة مستقلة. وهنا في بريطانيا لا بد من حضور محامين اثناء التحقيق، ووجود كاميرات في السجون وكاميرات في قاعات التحقيق ومحاكم مفتوحة، وقد تستثنى بعض قضايا الارهاب لكن هي الاخرى توضع تحت رقابة خاصة. وحتى هذه الحواجز لا تمنع ارتكاب المخالفات وسبق ان اكتشفت المحاكم البريطانية في مناسبات ماضية ان الاعترافات التي بنت عليها احكامها جاءت بالاكراه أو ان الادلة التي قدمت من الشرطة كانت مزورة، لكن وجود نظام صريح يضع ضوابط ضدها.

وسبق ان سألت احد المحققين لماذا يلجأ احدهم لانتزاع اعتراف بالقوة خاصة ان هناك وسائل اخرى، فكان مبرره ان من يفعلها من المحققين غالبا يعتقد انه واثق من جرم الجالس امامه وان الاكتفاء بالاسئلة لن يؤدي الى معرفة الحقيقة. وذكر انه غالبا لدى المحقق الكثير من الادلة التي لا ترقى الى تجريم المتهم لكنها كافية لتدل عليه، واصر على ان معظم الجرائم يتم اكتشاف فاعليها بهذه الوسيلة وانه لو حسبت اخطاء المحققين لوجدتها محدودة وما الصيت السيئ الا بسبب هذه الحالات القليلة.

لكن هؤلاء المحققين لا يدركون ان اطلاق مجرم اهون من تجريم بريء وما ابشع ان يرمى بريء بتهم كاذبة كما حدث في الاسكندرية. فقد وقف القاضي وقفة شجاعة ورفض طلب خمسة من ضباط شرطة بعدم اذاعة فضيحتهم والتحفظ على الملف، لماذا؟ لان المحكمة اكتشفت ان من ارسلته للسجن بناء على اعترافه بقتل ابنته تحت التعذيب ليس الا اباً بريئاً حيث عثر على الابنة حية. وقضية أخرى امضى فيها مدان في جريمة قتل نحو ثلاث سنوات في السجن بناء على اعترافه بالجريمة حتى قبض على سارق ارتكب جريمة مشابهة بدافع السرقة واعترف بالاولى.

ومع كثرة الجرائم واحتمالات تجريم الابرياء لا يمكن تقليل اخطاء المحققين الا باعتماد الوضوح في المحاكمات ومراقبتها وقبل ذلك اطلاق سراح المتهمين مبكرا ومساعدتهم للدفاع عن انفسهم، بتوكيل محامين لمن لا يملك المقدرة المالية، والزام المحققين بانتهاج اثبات القرائن من خلال المعامل الجنائية والعلوم التي تلقوها في المعاهد الامنية. ونحن نعرف ان تعذيب متهم لاسبوع اهون عليهم وارخص ثمنا من تجميع ادلة تستغرق سنة على الاقل، وان انتزاع الاعترافات قد يدل على الحقيقة. مع هذا فانتزاع الاعترافات بالتعذيب جريمة في حد ذاته وحماة القانون اولى من غيرهم بتطبيقاته.

[email protected]