حوارات بيروت

TT

حوارات واسعة استمعنا اليها في مؤتمر استشراف المستقبل العربي الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي في العاصمة اللبنانية.

حشد كبير من السياسيين والمفكرين العرب ومحاور كبيرة للنقاش وجوازات عديدة على جانب المؤتمر، وفي كل هذه الحوارات كان الهم المشترك لأمة يشعر ابناؤها انهم قد اضاعوا طريقهم، وان احلامهم الصغيرة والكبيرة في بناء أمة متقدمة متحضرة قد وصلت الى طريق مسدود، لكن الاستمرار وطرق الابواب والتبشير بالمستقبل واستنهاض الهمم هي البديل الوحيد لتوقف الحياة والاستسلام.

يتساءل المرء وهو يستمع الى اوراق جادة ومناقشات متعمقة عن مدرسة الخطاب التقليدي الانفعالي التي ما زالت قوية ومؤثرة لدى الكثيرين، ويتساءل المرء بكل حزن وبعد كل التجارب المريرة مع الخطاب الانفعالي المسكون بالمؤامرة الاجنبية الرافض لرؤية انفسنا في مرآة ذاتها، والمستبدل للمعلومة والرقم ولآلية الاصلاح، بالخطاب والكلام المرسل الذي لا معنى له. يتساءل المرء، الا تكفي الهزائم المتكررة من حرب 1967 الى مغامرات صدام حسين لكي نعيد النظر في الخطاب العربي لجعله واقعيا يحاول وضع الحلول والآليات للنهضة بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب.

هل يجوز لأحد بعد كل هذه التجارب ان يقف امام حشد كبير من المثقفين والمفكرين ليصرخ مطالباً بتحرير القدس من بيروت «الصامدة»، وان يحاول البعض اقناعنا اننا مجرد ضحايا لمؤمرات الامبريالية، اليس مثل هذ الطرح هو طوق الانقاذ لكل من مارس البلطجة والسرقة واهان الانسان واحتقر آدميته، وبدد اموال الامة في المغامرات ثم وجد من يلقي بكل هذه الجرائم على مؤامرات الامبرياليين في عملية تبرئة لكل الذين افسدوا في الارض من ابناء جلدتنا وسلمونا رهينة للآخرين، ووضعونا في موقع الضعف والاهانة؟ الم نتعلم، بعد من كل ما حدث لنا ومن حفلة القتل، والسجن والمغامرات والهزائم، أن نعيد الاعتبار للعقل الذي هو اعظم ما في الانسان والذي يمثل الفارق الجوهري بينه وبين بقية الحيوانات؟

متى تتحرر الامة من المصفقين واصحاب الخطب الرنانة الذين يتحدثون لكي لا يقولوا شيئا، ومن اصحاب الشعارات التي لم تطعم جائعا ولم تعالج مريضا والذين باعوا لنا الوهم فجنينا الخيبة؟

في مؤتمر بيروت كثير من الحوارات الجادة والشخصيات المعتبرة والمفكرين المحترمين، لكن صيحات بعض من يجلدون الناس بالخطب الفارغة تفسد كل لقاء، وتكاد تقضي على كل امة في حوار جاء للوصول لآليات جادة تجد طريقها نحو التنفيذ.