تغيير ثقافة قطاع الطرق لا الثقافة العربية والإسلامية

TT

هناك لحظات في الحرب تزيل المناورة وبلاغة الخطاب والتشوش الذي من المحتم أن يحيط بأي نزاع. ومثل هذه اللحظة ظهرت الأسبوع الحالي في مدينة سامراء، عندما هاجم قطاع الطرق العراقيون قافلة اميركية وألحقت بهم خسائر جسيمة.

وسرعان ما اندفعت التقارير الإخبارية الأولية نحو الأمور الواضحة لتركز على ضريبة موت رجال حرب العصابات، وأساليب المعركة القصيرة الدموية، والجدال بشأن الضحايا المدنيين. ذلك مهم بالطبع، ولكن الشيء الأكثر إيحاء في هذه اللقطة من المعركة، هو دافع هؤلاء الرجال المسلحين: فقد كانوا يسعون الى الأموال التي كانت تنقلها القوات الأميركية الى المصارف العراقية.

وعلى مستوى أساسي معين تدور حرب العصابات التي تشنها فلول البعث من بقايا دكتاتورية صدام حسين حول الأموال والامتيازات. ان البعثيين وزبائنهم الكثيرين ـ الذين يمتدون الى خارج العراق ـ يتمتعون بواحد من الأحاسيس الأكثر تطرفا في التاريخ بشأن الألقاب والمنافع.

تخيلوا أسوأ حالة طلاق سمعتم عنها، وتصوروا الزوجين السابقين اللذين يعانيان من المرارة وهما مسلحان ببنادق الكلاشنيكوف والقنابل بدلا من الاجراءات القانونية حول نفقة الزوجة المطلقة والملكية، وستجدون صورة معينة لما يمر به سنة العراق وشيعته وأكراده هذه الأيام.

وهناك دوافع أخرى أيضا. إذ ثمة من يؤكد على التطرف الديني للجهاديين الذين يتحركون في ميدان المعركة في العراق، أو حماس العرب الذين يستثيرهم الاحتلال الأجنبي. وأؤكد ان الاثنين موجودان ويعودان الى هذه القوة الأصولية لهذه الثورة المضادة: السنة العرب المقاتلون في العراق يريدون الأموال. ويريدون استعادة امتياز الهيمنة على جماعات السكان الأخرى في البلاد.

ان هذا الاحساس بالامتياز ـ في ادارة البلاد أو تحويلها الى خراب حتى لا يستطيع آخرون ادارتها ـ قد جرى التقليل من شأنه من قبل استخبارات ادارة بوش وجيشه وزعمائه السياسيين في حرب العراق، وفي ما أعقبها مباشرة. فسرعان ما واجه رؤساء وعلماء الاستخبارات، الذين عبأوا قواهم من أجل نظام ما بعد صدام حسين، وهم مستغرقون في التفكير الرغائبي بشأن الجنرالات السنة، تمردا راح يتخذ فرصته الخاصة في الحياة.

انهم يتطلعون الى السلطة والى الثروات المتوفرة بمستوى لا يتصوره غالبية البشر. فقد ساعدت عائدات النفط صدام حسين على بناء آلة قمع وقتل هائلة وعلى تشييد قصوره. استغل صدام حسين وآخرون عائدات النفط من الغرب في إثراء انفسهم ومؤيديهم في أماكن مثل سامراء وتكريت.

استخدم البعثيون عائدات النفط العراقي في شراء مسؤولي الحكومة ومسؤولي التلفزيون والاكاديميين وكتاب الاعمدة الصحافية والعملاء المزدوجين في الاردن وسوريا ودول عربية اخرى وحتى في الغرب. فقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» هذا الاسبوع النقاب عن وسطاء عرب كوفئوا بسخاء على مساعدتهم النظام العراقي السابق في محاولته شراء مصنع للصواريخ من كوريا الشمالية.

يدرك المتابع للتطورات ان الحملة التي تقودها الولايات المتحدة التي أطاحت البعثيين العراقيين من السلطة، قد وجهت ضربة مؤثرة الى شبكة الفساد والقهر التي سلبت غالبية مواطني الدول العربية حريتهم وكرامتهم وعائدات نفطهم.

«الثقافة» التي فرخت العناصر المتعصبة في موالاتها لصدام يمكن وصفها بأنها ثقافة قطاع طرق. فسكان مدن مثل تكريت وسامراء، لهم مصلحة في إعادة نظام صدام حسين. إلا ان على العرب السنة عموما ان يقتنعوا بان هناك طريقة افضل للعيش لهم وللآخرين.

المسألة الحقيقية المتعلقة بالسياسة الاميركية حاليا، لا تكمن في ما اذا كان إسقاط نظام صدام حسين الخيار الصحيح ـ رغم انه كان بالفعل الخيار الصحيح ـ وإنما تكمن في ما اذا كان بوسع ادارة الرئيس بوش إنجاز اهداف ممكنة التحقيق والتركيز عليها، أي التركيز على تغيير ثقافة قطاع الطرق في العراق وغيره وليس تغيير الثقافة العربية والإسلامية في الشرق الاوسط.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»