حفلات الضباع

TT

يحضرني أحد مشاهد فيلم الكارتون «الملك الأسد» (Lion king) مرات عديدة، خاصة عندما نمارس ـ أو يمارس بعضنا ـ سلوكاً لا يختلف كثيراً عما يجري في هذا المشهد، والذي يمثل الضباع عندما تجتمع على جثة لأحد حيوانات الغابة تمزق فيها، وتتصارع فيما بينها على قطع اللحم الميتة، ويملأ تعبيرات الوجه قبح شديد نجح منفذو الفيلم في إبرازه، ومن ذلك الذيل المنزوي بين الساقين الخلفيتين لهذه الضباع.

مع الأسف الشديد يتقمص ـ أو يتقمص جزء منا ـ خاصة في مجال الاعلام العربي هذه الشخصية «الضباعية» عندما يتناول قضية أو حادثة ويكون طرفها أو أطرافها شخصيات عامة ومعروفة ـ وحتى غير معروفة في بعض الأحيان. وكان حادث الجريمة التي شهدتها القاهرة وراحت ضحيتها الفنانة ذكرى وثلاثة آخرون منهم زوجها رجل الأعمال الذي نفذ الجريمة بأسلحته ثم انتحر، هذا الحادث فتح الشهية «الضباعية» فينا، في مجالسنا ـ وهذا لا يهم كثيراً ـ وفي اعلامنا، وهذا هو ما يهمنا، فقد تحول جزء غير صغير منا في عدد غير صغير من وسائلنا الاعلامية إلى ضباع صغيرة وكبيرة، وانتهكت حرمات، واخترعت حكايات، وسمعنا أموراً لها العجب، تناقضت وتقاطعت، والتقت واختلفت، والنتيجة واحدة، حفل كبير شارك فيه الكثيرون في نهش جثث لا لشيء إلا من أجل التسلية.

لست أعارض إطلاقاً الاهتمام بمتابعة مثل هذه الجريمة التي يندر أن تمر بنا في عمرنا، ولا نشاهدها إلا من خلال أفلام، وفي مجتمعات غير التي نعيش فيها، وهي جريمة تمتلك عناصر تشويق واثارة لا يمكن تجاهلها أو عدم التركيز عليها، ولكن ما اعترض عليه هنا هي تلك الحالة من التشفي أحياناً، ومن تصفية الحسابات أحياناً أخرى، ومن الرغبة في الظهور والصعود على درجات من جثث الموتى، وهي مسألة مارسها معظم المحيطين بالجاني والضحايا، واستغلها وسعد بها العديد من وسائل الاعلام.

أثبت الحادث الأخير أن معالجتنا لقضايا عديدة يشوبها الانفعال، وبعض الرغبات الانسانية السلبية المكبوتة، وآخر ما بحثنا فيه هو أمران، الحقيقة المجردة، والحفاظ على حرمة أموات .

غابت الموضوعية، وحضرت أغراض شخصية أو نوازع انسانية، واستمعنا إلى قصص عديدة متناقضة والكثير منها مقزز.

أظهرت هذه الحالة عدداً من الأسئلة المهمة الجديرة بالطرح مثل حدود حرية حيازة السلاح وأساليب استثمار أموال البنوك، وأمراض التجاعيد وأمراض أخرى التوقف أمامها ضروري لدراستها، ولكن شغلتنا الجثث والحكايات، أو شُغلنا بالجثث وحكاياتها.

ما حدث جريمة بشعة بكل المعايير، والجاني فيها وضحاياه ليسوا ملائكة، ولكن أيضاً، من شاركوا في حفل نهش الجثث بعد الجريمة هم أيضاً بالتأكيد ليسوا ملائكة.

المشهد التالي للجريمة إذا ما توقفنا ونظرنا إليه عن بعد لن يكون مشهداً مرضياً وسنكتشف أنه لم يكن بعيداً عن ذلك المشهد الذي ذكرته في البداية، مشهد الضباع في «الملك الأسد».

وأحيلكم في النهاية إلى مشهد آخر في ذات الفيلم، وهو المشهد الذي تسيطر فيه الضباع على حكم الغابة، عندها تذبل الأشجار، وتموت الضحكة والفرحة في عيون سكان الغابة، ويسود قبح الدمار محل جمال الحياة.

[email protected]