تجربة نموذجية في الإمارات

TT

تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة هذه الايام بعيدها الوطني الثاني والثلاثين، وسط حالة من الاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي والتطور الاجتماعي لم تشهدها من قبل. ولا بد من الاعتراف في هذه المناسبة بالذات بان تجربة الإمارات هي التجربة الوحدوية العربية الوحيدة التي نجحت في الصمود رغم الضغوطات الكثيرة في المنطقة، سيما تلك الآتية من إيران التي لا تزال تخفي قلقا كبيرا مبعثه استمرار احتلالها للجزر الاماراتية الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، واستمرار رفضها لكل الجهود المبذولة لحل الأزمة بالطرق السلمية وتحديدا عبر التحكيم الدولي.

ولا شك ان الفضل الاول في نجاح التجربة الوحدوية في الامارات يعود الى رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وقدرته على التوفيق بين جميع الاطراف والفرقاء بالحكمة والشجاعة وبعد النظر، فكان صلبا عندما يحتاج الموقف الى الشدة، ولينا عندما يتطلب الامر انحناءه قليلة امام عاصفة تهب فجأة من هنا او هناك. ولأن التجربة الإماراتية مرتبطة ارتباطا عضويا بصاحبها، فان عودة الشيخ زايد من لندن الى أبو ظبي بعد العملية الجراحية الناجحة التي اجراها هناك جاءت بردا وسلاما على قلوب الاماراتيين عموما، وأبناء أسرته خصوصا. وليس سرا بالطبع ان المخاوف على التجربة موجودة منذ وقت طويل، وان الخرز الأزرق ليس كافيا وحده في النهاية ليحميها من العيون الحاسدة. لكن هناك ايضا الرغبة القوية بالمضي قدما الى الامام، والعمل على توفير كل الفرص المناسبة لضمان عدم الخروج عن النهج، او القيام بأية خطوة يمكن ان تعكر صفو التناغم القائم، سواء على مستوى الاتحاد، او على مستوى القمة في الامارة، او على مستوى الأسرة نفسها. ولعل هذا تحديداً ما ترجمه الشيخ زايد في الاسبوع الماضي عندما أصدر قرارا بتعيين نجله الشيخ محمد نائبا لولي عهد أبو ظبي على ان يصبح وليا للعهد لدى خلو المنصب، حاسما بذلك مسألة ترتيب البيت الداخلي للإمارة، ومثبتا الركائز التي سيستند اليها ابناؤه في مرحلة ما بعد الشيخ زايد، وهي مسألة حيوية، ان لم تكن مصيرية، في المحافظة على التجربة باعتبار ان أبو ظبي هي الإمارة الأم في الاتحاد.

ربما كان من السابق لأوانه الحديث عن المستقبل البعيد في منطقة ساخنة مثل الخليج شهدت ثلاث حروب طاحنة خلال السنوات العشرين الماضية، ولا تزال الاخطار والتحديات والأطماع تحاصرها من كل الجوانب، الا ان ذلك لم يمنع الإمارات من الانطلاق بثبات وقوة في مسيرة بناء الدولة النموذجية، بعد ان تمكنت من استيعاب الازمات والطموحات على حد سواء. وخلال السنوات الـ32 الماضية التي مرت على هذه الدولة الغنية، ثمة عالم مضى وقام مكانه عالم آخر لا يمت اليه بأي صلة. فقد ادرك الاماراتيون منذ البداية ان لا شيء يمكن ان يحميهم اكثر من نجاح تجربتهم الوحدوية، وان لاشيء يمكن ان يحافظ على مستقبل اولادهم وأحفادهم اكثر من بناء دولة معاصرة تجد لنفسها مكانا في الأسرة العربية والدولية، ليس وفقا لحجمها بل وفقا لدورها.

ما يعنينا في النهاية في هذه المناسبة، ان احتفال دولة الامارات بعيدها هو احتفال له معنى أشمل وأوسع، لأنه احتفال بنجاح التجربة الوحدوية، التي كانت حلم كل انسان عربي عبر السنوات الطويلة. وهو ايضا احتفال بالاستقرار والرخاء والتطور الذي تتطلع اليه كل الشعوب العربية من محيطها الى خليجها. ولا شك ان النجاحات التي حققتها الدولة على اكثر من صعيد كشفت أهمية التجربة الاماراتية والدور الريادي لصحابها الذي أعطاها الكثير من جهده وعرقه وصحته لتصل الى هذا المستوى.

ولعل النقطة السوداء الوحيدة، ان نجاح التجربة الوحدوية الاماراتية يأتي في وقت تواجه فيه المنطقة العربية أسوأ أخطار التفتيت والتقسيم والشرذمة على كل المستويات. وقد جاءت العمليات الارهابية الاخيرة في هذا الجزء من العالم لتزيد المشكلة صعوبة وتعقيدا، وتعيد كتابة أبشع مرحلة في تاريخنا المعاصر بحروف من دم.