شرط الفتنة شريط؟

TT

يتم تداول شريط كاسيت في الكويت هذه الأيام لمواطن كويتي يتهجم فيه على الصحابيين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، ويقول فيهما لغة لا داع لذكرها في مثل هذا المقال، وقد كانت لذلك تداعيات سلبية بين أوساط الكويتيين، وأقول بين الكويتيين، ولا أقول بين أهل السنة في الكويت، فلقد كانت ردة الفعل لما ورد في الشريط شاملة متماثلة بين حكماء السنة والشيعة على حد سواء في الكويت. وانهالت بيانات الإدانة والشجب من قبل حكماء الطائفتين، وحذروا من مغبة تداعيات مثل هذه الأمور ما لم يتم تداركها واحتواؤها. ولكن الخوف من أن تجد قوى التعصب والتطرف فرصة «شريطية» لتأجيج خطابها الطائفي وموقفها السياسي، مستغلة «ضجة» هذا الشريط.

واللافت أنه لم يخرج علينا ـ حتى الآن ـ من يقول بأن الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية تقفان وراء توزيع الشريط، وتنويان إثارة الفتنة بين السنة والشيعة، ربما لأن التعصب الطائفي لم يكن مرهونا بمرحلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فمعركة صفين وكربلاء وقعتا قبل اكتشاف أمريكا من قبل كولومبوس بستة قرون تقريبا.

والطائفية ليست حكرا على أمة لا إله إلا الله، فللمسيحية طائفيوها وحروبها الطائفية ـ والحرب الإيرلندية لا تزال شاهدا حيا على ذلك، كما كان لحرب الكاثوليك الكروات والصرب الأرثوذكس بعد طائفي لا يمكن إغفاله، ولليهودية طوائف الاشكناز والسفارديم ـ وإن كانت قائمة على أسس جغرافية وإثنية، وليس على أساس اختلاف ديني، وللهندوس طوائفهم، وبين هؤلاء وهؤلاء يوجد المتطرفون الذين احتكروا التفاسير، وصادروا العقل، وأبوا إلا أن يتوقف الزمن عندهم عند أحداث مر عليها مئات وربما آلاف السنين.

قراءة تاريخنا الإسلامي للاستفادة منه مسألة مطلوبة، وإعادة النظر في فهم كثير من حوادثه وأحداثه مسألة ملحة، ولكن تقديس الأشخاص أو فهم الحوادث التاريخية من زاوية الفهم الديني لتبرير الموقف السياسي ـ معضلة ما بعدها معضلة، وقد قادت هذه المعضلة الفكرية بعض أهل هذه الطائفة أو تلك إلى التعصب للرأي وتقديسه لإلغاء رأي الآخرين، وهذا الكلام ينسحب على السنة والشيعة على حد سواء.

ولكن خطابنا وفكرنا «المؤامراتي» لا ينفك عن ترديد أن المؤامرات تحاك ليل نهار من قبل أمريكا والصهيونية لتفتيت عالمنا العربي والإسلامي إلى دويلات طائفية وقبلية وعشائرية، كي تعطي المبرر للعنصرية الصهيونية لتقول: «ما فيش حد أحسن من حد». وبعضنا يقرأ بعض ما يجري في العراق من زاوية طائفية، ويفسر الحوادث هناك من منطلقات تعصبه الطائفي، أو علاقته بالطائفة الأخرى.

لا يوجد مجتمع «نقي» في العالم لا تنوع فيه، فمجتمعات الدنيا دونما استثناء تتكون من طوائف وقبائل وأديان ولغات وأقوام مختلفة، وقد توصلت التجربة البشرية إلى مفهوم «التعايش السلمي» بين كافة المجتمعات لأن البديل له هو التناحر الدموي ـ لا سمح الله.

وبالتالي فإنه حري بالكويتيين كمسلمين وكعرب أن يقطعوا الطريق على «المؤامرة» وأن يعملوا بأسرع وقت على قبر فتن «الكاسيت» قبل استشرائها. فالكويت كانت ولا تزال، رمزا إنسانيا حضاريا للتعايش السلمي، قبل استفحال قوى التطرف، ومصادرة فهم الدين، ومحتكري تفسير التاريخ وكأنهم قد عايشوا أحداثه أو شاركوا في غزواته.

علينا جميعا وأد التطرف في مهده، «حتى لا تكون فتنة»، ألا هل بلغت... اللهم فاشهد!