حكومات إلكترونية في بيوت المواطنين

TT

يجتمع ممثلو شعوب العالم في جنيف من 10 إلى 12 ديسمبر (كانون الاول) 2003، وذلك للمرحلة الأولى من القمة العالمية لمجتمع المعلومات لتأكيد رغبتهم المشتركة والتزامهم بناء مجتمع معلومات جامع يرتكز على الناس، غايته تحسين نوعية حياتهم بطريقة مستدامة، ويسخر إمكانيات تقنية المعلومات للوصول لأهداف التنمية. يتبنى المجتمع الدولي مجموعة من البرامج والمبادرات التي تهدف إلى نشر تقنيات الاتصالات وتطبيقات تقنية المعلومات، وبخاصة الإنترنت، على مستوى مختلف شعوب العالم، وكذلك شرائح المجتمع المختلفة بغض النظر عن وجودها في القرى أو المدن، وبغض النظر عن مداخيلها أو تركيباتها الاجتماعية والديمقراطية، الأمر الذي يستلزم استثمار البلايين في أجهزة وبرامج وشبكات الاتصالات وتقنية المعلومات، وكذلك في أتمتة الإجراءات وتبسيطها بالإضافة إلى تغييرات كبيرة في السياسات التحفيزية وبرامج التعليم والتدريب، والهدف تغيير المجتمع برمته بطبقاته المختلفة، وبتدخل الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني في صورة شراكات فاعلة، لنقله إلى مجتمع معلومات مبني على اقتصاد رقمي معرفي. هذه الاستثمارات الهائلة في تقنية الاتصالات والمعلومات تقع الإنترنت فيها موقع العامل اللاحم، «والتي لم تكن لتوجد إلا على شبكات اتصالات حديثة متطورة منتشرة» حيث تربط الأفراد والأنظمة ببعضها البعض ويجعل التواصل السلس بينها ممكناً. في هذا المجتمع ظهر الإنترنت كاحدى أهم البنى التحتية التي تمكن البشرية من التواصل والوصول إلى المعلومات ونقلها، والمشاركة فيها بصورة تؤهلها لأن تدفع عجلات الكثير من الانشطة الاقتصادية، بدءا من عمليات البيع والشراء في ما يسمى بالتجارة الإلكترونية، وانتهاء بتمكين المواطن من الحصول على الخدمات والوصول اليها، والحصول على الخدمات الحكومية كجواز سفر أو رخصة قيادة من منزله في ما يسمى بتطبيقات الحكومة الإلكترونية. لذلك أصبحت إدارة الإنترنت قضية محورية على الأجندة الدولية، وبالتالي على جدول قمة مجتمع المعلومات، وأن إدارتها يجب أن تكون متعددة الأطراف وشفافة وديمقراطية، تكفل التشغيل الآمن المستمر للإنترنت، وتوزع الموارد توزيعاً عادلاً. ولقد أصبح هذا الموضوع محور انقسام كبير بين معسكرين: المعسكر الأول يرى أن إدارة الإنترنت الحالية، والتي تتم عن طريق شركة خاصة تقوم بتحديد أسماء وعناوين نطاقات الإنترنت ولا تخضع للمعاهدات الدولية، يجب أن تستمر كما هي عليه، وانه لا مشكلة في الوضع الحالي. ومعسكر ثانٍ أغلبه من الدول النامية، والتي في طور النمو، يرى أن هذا الوضع لا يمكن من الاستمرار، وان الحكومات يجب أن يكون لها دور جوهري فاعل في إدارة الإنترنت، مع الاعتراف بدور القطاع الخاص والمجتمع المدني، ولكن لا بد من أن يكون للحكومات القول الفصل في ما يتعلق بالسياسات العامة المتعلقة بالإنترنت والتي تهمها، خصوصاً أنها سوف تقوم بضخ المليارات لتحويل حكوماتها ومؤسساتها واقتصادياتها إلى اقتصاديات رقمية ترتكز على استخدام الإنترنت، الأمر الذي يجعل من الأهمية بمكان المحافظة على هذه الاستثمارات، وعدم تعريضها لأخطار محتملة من أسلوب إدارة الإنترنت أو أمنها. ونستشهد بحوادث مثل إلغاء الاسم المخصص لدولة من الدول، وإعطائه إلى شركة تبيع موسيقى الروك اند رول، بحيث يمكن حرمان جميع مواطنيها من الحصول على خدمات تم استثمار مئات الملايين فيها. وقد دفع هذا الخلاف حول إدارة الإنترنت بالموضوع الى الطاولة العالمية، وأصبح من أهم النقاط التي يتم التباحث بشأنها في إطار القمة العالمية لمجتمع المعلومات. والسؤال هو: هل يبقى الوضع على ما هو علية؟ أم يعاد النظر فيه بطريقة تحمي استثمارات هذه الدول، في إطار التحول إلى مجتمعات رقمية؟ أم أن تقوم منظمة دولية تحت مظلة الأمم المتحدة بهذا الدور؟ بغض النظر عما سيؤول إليه القرار إلا أن الوضع أصبح ساخناً جداً، وأن الإنترنت جلبت الاهتمام العالمي، وأن العديد من خيارات التنمية أصبح مرتبطا بها، والكل الآن في انتظار قرار قادة العالم في مؤتمرهم القادم في جنيف، والذي تتجاوز اهتماماته الاتصالات وتقنية المعلومات لتتعداهما إلى التنمية والمصالح الاقتصادية والسياسية.

*متخصص في الاتصالات والمعلوماتية

citc.gov.sa@E-mail:aasindi