الرجل الذي أغرق بوش مع سبق الإصرار والترصد

TT

ما هكذا أراد بابا بوش للأمور أن تسير خاصة وأن ديك تشيني الأصلب من الصخر قد وضع على رأس حكومة العيال، مستندا إلى خبراته الواسعة في الحكم من رئيس لموظفي البيت الأبيض، إلى موقع قيادي بالكونغرس إلى وزير للدفاع، كان منتظرا من تشيني أن يتفادى الأخطاء الكبيرة، وأن يعوض رئيسه الابن عن افتقاره الكلي للخبرات. ومع ذلك فإن الرئيس بوش يشرف على خوض حملته الانتخابية الثانية وهو يحمل على ظهره عبئا ثقيلا يتمثل في الوضع الانفجاري في العراق. ولا يتوقف الأمر على أن العالم كله تقريبا تعتريه دهشة بلا قرار، إن لم نقل يمسك بتلابيبه رعب يفوق الوصف، بفعل انفرادية الإدارة الموغلة في الغرور، بل يتعداه إلى أن أقساما هامة من المجتمع الأميركي بدأت تتساءل عن حكمة الرئيس، وسداد رأيه وصدقيته، وذلك نسبة للطريقة التي عالج بها قضية العراق.

كان منتظرا من تشيني أن يمنع شيئا مثل ذلك من الحدوث. كان منتظرا منه، بل كان واجبه، أن يحمي بوش، الذي لم يكن قد أعد للرئاسة عدتها، من الأخطاء الكبيرة. ولكن على العكس من ذلك، تثبت كل معلومات جديدة عن تفاصيل الصراع الذي دار ويدور داخل الإدارة، أن تشيني كان هو القوة المحركة والرافعة الدافعة لخوض حرب اختيارية ضد العراق.

إن أكثر ما يثير القلق هو الطريقة التي استغلت بها الإدارة المعلومات الإستخباراتية المتوفرة لديها للتأثير على الرأي العام والمؤسسات لقبول الحرب، مع فشلها التام في التخطيط لفترة ما بعد الحرب. وتطرح مقالتان نشرتا حديثا بالصحف الأميركية، إحداهما كتبها جورج باكر بصحيفة «النيويوركر»، والأخرى بقلم ديفيد ريف بمجلة «نيويورك تايمز»، معلومات تفصيلية موثقة حول كيف تجاهل البنتاغون كل استشارات الخبراء، تقريبا، الآتية من وزارة الخارجية، ومن وكالة المخابرات الأميركية، ومن جهات أخرى لا يحصيها العد حول ما يجب ان يحدث بعد نهاية الحرب. ولقد توفرت معلومات جمة حول الصعوبات التي يمكن أن تعقب الحرب، ولكن مخططي البنتاغون تجاهلوا كل ذلك، مثلما تجاهلوا كل معلومات تصل إليهم من وزارة الخارجية. وكانوا يعتقدون أنه بمجرد التخلص من صدام حسين وكبار مساعديه، فإن شعب العراق سيستقبل الفاتحين بأذرع مشرعة. ولكن خبراء وزارة الخارجية كانوا يقولون غير ذلك، وكان نصيب قولهم سلة المهملات.

ويمكنك أن تلقي المسؤولية في ذلك على وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وطغمة المحافظين الجدد المحيطين به بقيادة نائب وزير الدفاع بول وولفويتز. ولكن الصراع المرير بين وزارتي الدفاع و الخارجية أمر معروف في كل الإدارات، ومن واجب البيت الأبيض أن يحسم مثل هذه الصراعات والخلافات، وأن يتأكد أن الرئيس يتخذ قراراته على أساس معلومات صحيحة.

ولكن المفارقة هي أن تشيني كان هو قائد المحافظين الجدد. وتقول إحدى الروايات انه قال لبوش في فبراير (شباط) عام 2002، انه كان من الخطأ عدم إسقاط صدام أثناء إدارة بوش الأول، وان الوقت قد حان لإزاحته حاليا. وترتب على ذلك أنه دفع الأمور دفعا نحو الحرب. كانت مهمة تشيني أن يحمي بوش من الانقياد لخديعة تأتي من أولئك الذين يخدمون أهدافا خفية خاصة بهم، ولكن أتضح أن تشيني نفسه كان أول المغرضين.

القصة نفسها تصح على فترة التحضير للحرب التي كانت وشيكة. وفي عدد 4 ديسمبر (كانون الأول) من مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس»، فحص الكاتب توماس باورز فرضية أن العراق كان يمثل خطرا وشيكا بالنسبة للولايات المتحدة. وقد فحص 29 زعما أوردها وزير الخارجية كولن باول في خطابه الشهير يوم 5 فبراير (شباط) أمام الأمم المتحدة، وتوصل إلى أن واحدا منها لم يكن صحيحا. وذلك مع أن باول أكثر حذرا من الآخرين.

وتتمثل المشكلة، كما يقول باورز، في أن البيت الابيض مارس ضغوطا غير عادية على وكالة المخابرات المركزية للعثور على معلومات تناسب قراراته السياسية المسبقة. وكان ذلك أمرا خطيرا جدا بالطبع. ونسبة لافتقاد بوش حتى ولو للقليل من الخبرة، فإن من السهل أن نفهم لماذا فشل في استبانة أن المعلومات الاستخباراتية يمكن إساءة استخدامها. وكان من المفترض في هذه الحالة أن يتأكد تشيني، المحنك والخبير في شؤون الأمن القومي، من أن المعلومات الاستخباراتيه كانت صحيحة، وكان من واجبه السهر على صدقية الرئيس. ولكن أتضح في النهاية أنه كان اليد الخفية الباحثة عن معلومات استخبارية تؤكد مفاهيمه المسبقة، والقوة الضاغطة لتحقيق ذلك بكل السبل.

صحيح أن المسؤولية تقع في النهاية على عاتق الرئيس، ولكن كلما تزايدت معلوماتي عما كان يدور في الكواليس، أقول أن تشيني هو المسؤول الاول عن كل ذلك.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)