السودان .. خطوة إلى الأمام

TT

يبدو السودان حاليا وكأنه الجزء الوحيد في المنطقة العربية الذي يخطو الى الامام بعد ان واجه مشاكله بواقعية وادرك انه لا يوجد حل للحرب المستمرة منذ عقود وقتل فيها نحو مليون شخص بخلاف التدهور الاقتصادي والمعيشي والسياسي والمجاعات، الا بتحقيق السلام ورفض فكرة استئصال الاخر او فرض اسلوب حياة على جزء من الشعب السوداني لا يقبله.

وقد تكون هناك تحفظات لاطراف سودانية في المعارضة بالخارج او قوى سياسية في الداخل على مسار مفاوضات السلام التي تجري بين نائب الرئيس علي عثمان طه وقرنق ومخاوف من انفراد الجانبين بالسلطة وترك الفتات للقوى السياسية الاخرى او عدم مراعاة مطالبها.

وهذه كلها تدخل في قضية التفصيلات التي يمكن ان تحل من خلال التفاوض او العملية السياسية التي ستحدث بعد توقيع اتفاق السلام بشكل نهائي، فالمهم اولا هو وقف الحرب التي استنزفت اجيالا بعد اجيال بشكل عبثي واهدرت موارد البلاد وادت الى انقسام بين ابناء الشعب الواحد، وسمحت بان تكون البلاد نهبا لصراعات اقليمية ودولية الاطراف المحلية فيها مجرد ادوات، وجعلت الكثير من السودانيين مهاجرين في الخارج في حين يتمتع بلدهم بثروات هائلة يمكن استثمارها لو تحقق الاستقرار.

وقف الحرب هو خطوة اولى في الطريق الصحيح وستكون اولى ثمار اتفاق السلام اذا وقع بشكل نهائي بين الخرطوم وحركة قرنق اساسا، لكن المسيرة التي ستمتد بعد ذلك والتي سيتقرر فيها وضع الجنوب في استفتاء حول تقرير المصير بعد الفترة الانتقالية ستكون شديدة الحساسية في تحديد وضع السودان مستقبلا، وهذا ما يثير اطرافاً اقليمية وداخلية تريد المحافظة على وحدة السودان وتخشى انفصال الجنوب.

لكن المخاوف من ان يحدث الانفصال، وهو كارثة في حد ذاته، ليست مبررا لاستمرار الحرب، لان الاخيرة هي اسوأ السيناريوهات، كما انه لا يمكن اجبار قطاع كبير من السكان على البقاء داخل كيان جغرافي بالقوة والقهر اذا كان لا يريد ذلك، فضلا عن ان الوصول الى هذا الوضع هو ثمرة اخطاء ارتكبت منذ استقلال السودان ادت الى شعور الجنوب بالظلم والتهميش.

وهنا لا بد من تسجيل ان المؤشرات في مسار مفاوضات السلام ايجابية للغاية، فقيادات حركة قرنق خطابها السياسي وحدوي وهي متحالفة مع اطراف رئيسية في المعارضة السودانية الشمالية التي تريد المحافظة على وحدة السودان.

واذا افترضنا ان توقيع اتفاق السلام مسألة وقت في ضوء المؤشرات الحالية الصادرة من المتفاوضين فانه لا بد ان يكون هناك عمل شاق وجاد خلال الفترة الانتقالية من اجل العمل على ترسيخ المفهوم الوحدوي في البلاد وتبديد اي مخاوف لدى الناس في اجزاء من السودان تتعلق بوضعهم واستفادتهم من ثروات البلاد والمساواة في الحقوق والواجبات، فهذا هو ما يخلق المواطنة الحقيقية. ويمكن للاطراف العربية والاقليمية ان تسهم في ذلك من خلال المساعدة على انعاش الوضع الاقتصادي في السودان حتى يشعر الجميع بان هناك فارقا بين الحرب والسلام.