عقدة الإرهاب.. وشد الحبل..!

TT

بات الارهاب كالعقدة التي تزداد تعقيدا بشد طرفي الحبل، والولايات المتحدة الامريكية تشد طرف الحبل وفق معادلتها الشاملة لمكافحة الارهاب، التي لم تتغير منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن يعتقد ان مجاهيل المعادلة اكثر من معاليمها مخطئ، وقد بدأ حل المعادلة لمكافحة الارهاب العالمي من افغانستان وانطلق الى العراق ومن ثم الضغط على سوريا وايران وفلسطين.

التضخيم الامريكي لخطر النظام العراقي وأسلحة دماره الشاملة على السلام العالمي وفشل هذا النظام في رد العدوان يذكرنا بقصة الثعلب والطبل، حيث روي ان ثعلبا أتى غابة فيها طبل معلق على شجرة، وكلما هبت الريح على اغصان تلك الشجرة حركتها فضربت الطبل فسمع له صوت عظيم باهر فتوجه الثعلب نحوه لأجل ما سمع من عظيم صوته فلما أتاه وجده ضخما فأيقن في نفسه بكثرة الشحم واللحم فعالجه حتى شقه فلما رآه اجوف لا شيء فيه قال لا ادري لعل افشل الاشياء اجهرها صوتا وأعظمها جثة. وفشل النظام العراقي في الدفاع عن العراق يكمن في انه لم يع درس التاريخ جيدا (بعد ان حول العراق الى سجن كبير) واننا لم نسمع قط عن سجين يدافع عن زنزانته.

وفي السؤال عن سبب غزو الامريكان للعراق ما زال الجواب التقليدي هو تحرير المنطقة والشعب العراقي من خطر نظامه ونشر الديمقراطية فيها، إلا أن الدافع التقليدي الخفي هو التحكم بصنبور النفط، حيث يتوقع تقرير وكالة الطاقة الدولية الاخير ان الطلب العالمي على النفط سيقفز اكثر من %50 بحلول عام 2030م ونظرا لوجود الاحتياطي الهائل في منطقة الشرق الاوسط فإن حصة منتجيه ستقفز ايضا الى %44 من الانتاج العالمي. ويكمن الخيط المفقود في عدم تناغم شكل عملية التحرير الامريكي للعراق مع مضمونها في المعايير المزدوجة للسياسة الامريكية في المنطقة، وذلك في ظل قدرة اللوبي الصهيوني على شل الحركة السياسية الامريكية في واشنطن باتجاه العدالة.

قدم الرئيس الامريكي جورج بوش في خطابه قبل ايام في «المعهد الكوني لنشر الديمقراطية» دواء ناجعا لمكافحة الارهاب وهو الدعوة الى اصلاحات ديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط. قائلا: «ان الحرية يمكنها ان تكون مستقبل اي امة». وقال ان الديمقراطية ستمتد من طهران الى دمشق ولا سيما ان اوتاد «الديمقراطية» مرتفعة الآن، خصوصا في العراق، وحذر من ان «الفشل في تحقيق الديمقراطية في العراق سيشجع الارهابيين عبر العالم»، وان الاستقرار لا يشترى على حساب الحرية. وقد اشار الى ان طريق السلام في قضية فلسطين هو طريق الديمقراطية. وكان الكواكبي قد قام قبل قرن من الزمان وصفته العلاجية بطريقة اكثر وضوحا حين وضع ثلاث معادلات للخلاص من الاستبداد قائلا: ان الامة التي لا تشعر بالحرية لا تستحقها وان التغيير يتم بالتدريج واللين وانه ليس المهم استبدال الحاكم، بل فرملته وانه ما لم يكن البديل جاهزا فلا معنى للتبديل. (فننتقل من الديكتاتورية الى الفوضى وهذا ما يحصل في العراق حاليا). التخلص من الاستبداد هو نصف المشكلة لكن الأهم هو البديل.

وحسب مايكل ماندلباوم في كتابه (الأفكار التي هيمنت على العالم) هناك عائقان اساسيان يقفان امام الديمقراطية العربية.

اولهما يتمثل في الافتقاد الى «المؤسسات» الكفيلة بإحداث تداول سلمي للسلطة. فقد لاحظ مايكل انه في العديد من الدول العربية ما يزال هناك تقليد «الحكم او الموت»، فلا يجب على احد التنازل عن السلطة والا كان مصيره الموت.

والعائق الثاني يتمثل في هيمنة الدولة على الثروة وضعف القطاع الخاص. فالسيطرة على السلطة تعني حيازتك الثروة (أي أن امتلاكك تفاحة السلطة يعني حيازتك لكرومها).

لا بد من توضيح الرؤية للعالم في ان سبب اخفاقنا يكمن في الشعور بالعجز واليأس، وقد نوه لذلك رئيس وزراء ماليزيا السابق محمد مهاتير قبيل تركه السلطة: «نحن نضحي بالارواح بطريقة غير ضرورية وبدون تحقيق اي شيء أكثر من جلب قدر هائل من الانتقام والاذلال، لكننا نقف ضد اناس يفكرون. فاليهود تمكنوا من البقاء على الرغم من المذابح المنظمة التي ارتكبت ضدهم لأكثر من 2000 سنة لا عن طريق رد الضرب بالضرب، بل عن طريق التفكير.. نحن لا نستطيع ان نحاربهم بواسطة العضلات فقط. علينا ان نستعمل عقولنا ايضا.

وكما اوضح جون ويتبك (محام امريكي في القانون الدولي) في احدى مقالاته ان العجز الذي يشعر به الانسان العربي ليس قدرا اعمى، بل هو خيار سياسي. وان تحقيق السلام يمكن ان يتحقق من خلال الضغط الاقتصادي الذكي والمسؤول والمتواصل وليس عن طريق العنف المتنامي والمنفلت. وذلك باعتماد اسلوب العصا والجزرة الاقتصادي. اما الجزرة فتكون بتأكيد والتزام الجامعة العربية باعلان بيروت (مارس 2002) والتي استندت الى المبادرة الشجاعة لولي العهد السعودي الامير عبد الله، وعرضت السلام الشامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الطبيعية بين اسرائيل والعرب مقابل انهاء الاحتلال الاسرائيلي لكل الاراضي العربية في عام 1967م. واما العصا فتكون بايقاظ الحس السليم للناخب الامريكي بمخاطبة جيوبه باعلان المنتجين للنفط العربي انهم وحتى تذعن اسرائيل للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة وتلتزم بالحدود المعترف بها دوليا، فإنهم سيخفضون انتاجهم من النفط بنسبة شهرية تبلغ %5، وحينها فقط، وعندما يرتفع سعر الوقود على دافع الضرائب الامريكي ويبحث عن السبب ليعي ان الدعم والانحياز الامريكي الاعمى لاسرائيل هو السبب وراء ارتفاع وغلاء معيشته سيخلق الحاحه ضغطا على السياسة الامريكية ويتعرض الاسرائيليون للضغوط من قبل حليفهم الوحيد وسيدركون ان امنهم لن يكون مضمونا أبدا وأن الخيار الاسلم الذي يمكن تبنيه هو الالتزام بقرارات الأمم المتحدة والاذعان لها.

وكما ان هناك فرصة تاريخية امام العرب للاستفادة من الكتلة الاوروبية الهائلة التي تتحول تدريجيا الى عملاق اوروبي يضم تحت جناحه خمسا وعشرين دولة ويملك عملة قوية استطاعت ان تحرج الدولار الامريكي. ولا شك ان نتائج الاستبيان الذي اجرته المفوضية الاوروبية بين الرأي العام الاوروبي (الذي تمثل قوى السلام فيه النسبة الاعلى من مجتمعه المدني) الذي اعتبر ان اسرائيل اكبر دولة مهددة للسلام في العالم يمثل حالة متقدمة لاستيقاظ ضمير الرأي العام الاوروبي لصالح الحق العربي، وذلك رغم نشاط الميديا الصهيوني القوي في الحفل الاعلامي الاوروبي، وان توجيه رؤوس الاموال العربية الى اوروبا يمكن ان يحولها الى قوة توازن في ميزان الصراع العربي الاسرائيلي.

[email protected]