الحيادية موقف المهزومين

TT

نحن نعيش تاريخ تراشق التهم والشتائم على الضفتين، شيخ يدعو على الغربيين الكفار بالعذاب وجنرال غربي يعتبر الاسلام صنيعة شريرة، ومقالات تهاجم الاميركيين وتحرض عليهم ومذيعون يصفون العرب بالارهابيين. هذه جزء من تداعيات المعارك ،الكبيرة القاعدة، في اميركا واميركا في العراق، وهكذا حيث ستستمر وسنظل شهودا عليها.

وليس صعبا في وسط هذا التراشق أن يتبنى المرء احد موقفين، الانحياز مع الذات او رفض كل ما يدور واعتباره طروحات متطرفين. وبالطبع هناك موقف ثالث ليس مريحا لأحد ان يتبناه كلاميا او ميدانيا واعني به معارضة هؤلاء. وهنا اريد ان اشير الى ان القليل بيننا يقف ويعترض على ما يحدث في موقف واضح. بخلافنا في الغرب تجد موقفا عند كثيرين يقفون ويواجهون ويرفضون ما يحدث عندهم غير عابئين. يعتبرون الاعتدال الصامت خطيئة في حد ذاتها، وهو موضوع خاض فيه بجدارة الدكتور مأمون فندي في مقال سابق في هذه الجريدة.

فالاعتدال البارد الذي يتفرج على الغوغائية فقط او ينتقدها على فنجان قهوة مع اصدقائه موقف مضر لأنه يمنح الغلبة للمتطرفين، في حين ان المتطرفين يساعدون بعضهم بعضا على الجانبين من خلال تصعيد الكلام المتضاد.

لهذا عندما تحركت ثلة من اعضاء مجلس الكونغرس للاحتجاج على ابعاد جرسون عربي من حفل انتخابي للرئيس الاميركي، بغض النظر عن المبررات الامنية والانتخابية، كان موقف هؤلاء السياسيين شجاعا يستحق التقدير. وعندما فاز كل العرب الذين رفعوا دعاوى في المحاكم الاميركية بتأييد من وزارة العدل ضد عمليات التمييز العنصرية التي مورست ضدهم بعد الحادي عشر من سبتمبر كان ذلك ايضا موقفا عادلا من القضاة. وعندما اخذت معظم الصحف الكبرى موقفا هجوميا ضد الجنرال الاميركي الذي شجب الاسلام وطالبت بطرده كانوا كاعلاميين منصفين لم تأخذهم الحمية لبني دينهم وجلدتهم على حساب الحقيقة.

يؤسفني ان مثل هذه المواقف المحترمة التي تصدر عن فئة، قد تكون اقلية في مجتمعها، هي ما نفتقده. والذي يؤسف له ان مثل هؤلاء المستقلين العقلاء كثر بين ظهرانينا، سياسيين وقانونيين وعلماء دين واعلاميين، لكن النادر بينهم يقف معترضا على ترهات تقال في الصحف والمنابر والمدارس والمؤسسات الحكومية العليا. سلبيتهم مردها الخوف من الأقلية الصاخبة ونقص الحريات في المنطقة، وربما اكثر من هذا كله هيمنة المتطرفين على ألوانهم على الاعلام وحرفه عن الحيادية او على الأقل التعامل مع القضايا الجدلية باعتدال يمثل الحد الأدنى. انها مسؤولية كبيرة الا نكون مجرد عسكر في هذه المعارك العمياء او صم في هذا المجتمع الصاخب بل ان نصبح حواجز امام هذا الفكر الضيق الكاره والمحرض. فهذا التوجه يصب في مصلحتنا اولا واخيرا.