الوجه الآخر لرحيل صدام حسين

TT

كلما فكرت بغزو الرئيس بوش للعراق يحضر إلى ذهني مشهد من فيلم «المتألق» حيث يمثل جاك نيكلسون دور المؤلف المجنون الذي يحاول قتل زوجته. بالمقابل تلعب الممثلة شيلي دوفيل دور الزوجة حيث تختفي في غرفة الحمام. وحينما يأخذ نيكلسون فأسا تكون دوفيل مختفية وراء باب الحمام المقفل ثم يبدأ بضرب الباب بفأسه. عند الانتهاء من كسره يبرز نيكلسون بابتسامة مجنونة ليردد: «هنا جوني».

هذا هو الغزو الأميركي إلى العراق. ففي منطقة حدد ملامحها خليط يتكون من الثروة النفطية والثقافة والحرب الباردة ودفع باتجاه سيادة سياسات متحجرة لفترة طويلة في منطقة اقصيت ولفترة طويلة من دخول التاريخ، وفي منطقة ظلت الولايات المتحدة تعتبر القوة المسلم بحقيقتها من دون أن تكون قوة ثورية حقا. فالولايات المتحدة كسرت الباب على طريقة نيكلسون لتظهر مثله مرددة: «ها أنا بوش هنا».

لكن ما يثير الدهشة أن الغبار الذي أثارته الحرب في العراق لم يقع على العالم العربي بل على إسرائيل. هل يمكن حدوث ذلك؟

نعم. فبإسقاط نظام صدام حسين وإزالة التهديد الاستراتيجي على إسرائيل والذي كان العراق يشكله أنهت إدارة بوش واحدة من الحجج الأمنية القوية التي ما فتئ الصقور الإسرائيليون يرددونها من أن إسرائيل بحاجة إلى الضفة الغربية أو على الأقل وجود قواتها على نهر الأردن كحاجز وقائي في حالة سعي العراق مرة أخرى للتقدم نحو إسرائيل عبر الأردن مثلما فعل في السابق.

وطالما ظل العراق يلوح في الأفق كخطر رئيسي فإن المرء يستطيع أن يسمع ثلاث حجج في إسرائيل. الأولى تقول إنه لا يمكن الانسحاب من الضفة الغربية ونهر الأردن لأن إسرائيل بحاجة إلى حاجز أمني. أما الحجة الأخرى فتقول إن الانسحاب من الضفة الغربية ضروري للحفاظ على إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية لأنه في حالة حفاظ إسرائيل على الأراضي المحتلة سيزيد عدد العرب عن عدد الإسرائيليين في الضفة الغربية وغزة وإسرائيل، أما الحجة الثالثة فتقول إن أي انسحاب غير مقبول لأن الدولة اليهودية بحاجة إلى السيطرة على الضفة الغربية التي جاء ذكرها في التوراة كأرض أقام فوقها الأنبياء العبريون.

وظل اليمين الإسرائيلي يسعى إلى ربط الأمن مع الحجج التي تؤيد الاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية المحتلة بينما ظل اليسار الإسرائيلي يركز على الحاجة إلى الاحتفاظ بأغلبية يهودية بحيث يمنع تحول إسرائيل إلى دولة تمييز عنصري، لكن مع زوال الخطر العراقي أصبح الجدل يدور بين أولئك المحسوبين على اليسار والوسط والذين يريدون التخلص من الأراضي الفلسطينية المحتلة للحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية وأولئك المنتمين إلى اليمين الإسرائيلي الذين يريدون الاحتفاظ بكل الأراضي التي جاء ذكرها في التوراة كجزء من إسرائيل.

وفي الأسبوع الماضي وقع زلزال داخل إسرائيل حينما انفصل وجه سياسي بارز من اليمين الإسرائيلي وتقبل منطق اليسار والوسط الإسرائيلي، وهذا الشخص هو الليكودي إيهود أولميرت نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي حيث جرت معه مقابلة عاصفة قام بها كاتب العمود الشهير ناحوم بارنيا، وفيها صرح أولميرت أن إسرائيل لا تستطيع أن تبقي على احتلالها للضفة الغربية وغزة بدون أن تفقد الأكثرية اليهودية وهذا سيؤول أخيرا إلى البدء بمحاججة العالم كله ضد مبدأ شامل دوليا يؤكد أن لكل شخص حقا متساويا مع غيره في الانتخاب، أي صوت واحد لكل ناخب. وقال أولميرت: «أنا أرتجف من فكرة أن المنظمات اليهودية التي شاركت في النضال ضد سياسة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا ستقود النضال ضدنا».

لكن أولميرت كان غير واضح بخصوص التفاوض مع الفلسطينيين. لذلك فهو يجادل بأن على إسرائيل أن تقوم بتفكيك المستوطنات من طرف واحد والانسحاب من أكثر الأراضي الفلسطينية المحتلة بضمنها بعض الأجزاء من القدس الشرقية والهدف من كل ذلك هو رفع عدد اليهود داخل دولة إسرائيل إلى أقصى ما يمكن وتقليل عدد العرب فيها إلى أقل ما يمكن.

وهذا هو مؤشر إلى انشقاق كبير داخل اليمين الإسرائيلي، وكان سقوط نظام صدام حسين واحدا من العوامل التي مكنت أولميرت أن يتحول من التركيز على التهديد العسكري الخارجي إلى التهديد الديموغرافي الداخلي.

أما العامل الآخر الذي يجعل تحقق ذلك ممكنا فهو الديمقراطية. فإسرائيل هي الدولة الأولى في منطقة الشرق الأوسط التي تأثرت بسقوط نظام صدام حسين وهذا يعود إلى أنه كلما كان المجتمع أكثر تحررا كان أكثر قدرة على رد الفعل السريع تجاه ذلك الحدث الكبير من خلال النقد الذاتي والتصحيح الذاتي للمواقف.

أما غياب الديمقراطية في العالم العربي (مرفوقا بفشل الولايات المتحدة في تحقيق استقرار العراق) فقد جعل الدول العربية أكثر مقاومة لتحولات سياسية مباشرة في داخلها. فكتّابها لا يمتلكون الحرية الكافية لممارسة نقد ذاتي مفيد ونوّابهم لا يمتلكون الحرية الكافية للقيام بتصحيح ذاتي لمواقفهم.

لذلك، هل قمنا نحن بكسر باب الشرق الأوسط كي نجد أنه ليس هناك أي شخص في الجانب الآخر منه؟ الجواب على ذلك هو بالنفي، إذ لو أننا حققنا نتيجة محترمة في العراق فإنها ستصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها وسيكون هناك رد فعل عليها من كل الأنظمة العربية، لكن رد الفعل سيكون بطيئا.

* خدمة «نيويورك تايمز»