مواصفات المفكر العربي!!

TT

خلال وقائع المؤتمر الثاني، الذي عقدته «مؤسسة الفكر العربي» في بيروت قبل أيام، وهو مؤتمر بشكله ومضمونه يعتبر قفزة نوعية كبيرة قياساً بالمؤتمر الأول، شعر الحاضرون أو بعضهم أن «حليمة ما تزال على عادتها القديمة»، وأن بعض «مفكري» العرب مثل عامتهم يُسيطر على عقولهم وقلوبهم وأقوالهم هاجس المؤامرة الدائمة وأنهم يعتبرون الأمة العربية أمة مستهدفة بحاضرها وماضيها وبقيمها وأخلاقها ودينها و«رسالتها الخالدة».

كانت إحدى الجلسات مكرسة للعلاقات الأميركية ـ العربية، أو العربية ـ الأميركية حتى لا يغضب البعض من تقديم «الأمبريالية الأميركية» على أمتنا، وحقيقة أن الحضور استمعوا الى أصوات واقعية وعاقلة وتستند الى لغة العصر والى أن المصالح المشتركة هي التي تحكم العلاقات بين الدول في حين أن أصواتاً أخرى تحدثت بلغة الحديد والنار والانتحار ولم يبقَ إلا أن تهتف «يحيا أسامة بن لادن والمجد للرفيق المجاهد صدام حسين!».

ولأن الموضوع الذي نحن بصدده هو «مؤسسة الفكر العربي» ومؤتمرها الاخير الذي انعقد قبل أيام في بيروت، فإن ما يجب التساؤل عنه هو: من هو المفكر العربي يا ترى الذي يجب أن يـُدعى الى هذا المؤتمر ومؤتمرات مماثلة ومشابهة؟!

«كل الناس خير وبركة»، لكن لا بد من أن تكون هناك مواصفات لـ«المفكر العربي» الذي توجه إليه الدعوة لحضور هذه المؤتمرات... فهل المعيار هو الشهادة الجامعية أم احتلال عمود في صحيفة مشهورة ورئيسية أو مغمورة وثانوية، أم هو الكتابة بلغة كالطلاسم غير مفهومة ولا مقروءة ولا يمكن حتى لقارئة الفنجان وضاربة الودع أن تعرف ماذا يريد الكاتب وما هو المقصود...؟!

ثم هل ان اتخاذ موقف قومي عرمرمي تجاه قضية شاخصة يكفي لأن يدرج اسم صاحبه على قائمة المفكرين ليدعى الى مؤتمر كمؤتمر الأيام القليلة الماضية فيتجشم وعثاء السفر ويأتي الى بيروت أو القاهرة ليملأ قاعات وردهات فندق جميل كالفندق الذي انعقد فيه المؤتمر الأخير صخباً وصراخاً ويشن حرباً بأقذع ما في لغة الضاد من ألفاظ ضد كل من لا يوافقه على أن صدام حسين بطل هذه الأمة وأنه إمام غائب سيعود ذات يوم لينشر العدل والديموقراطية والمساواة في ربوع العراق الجريح!

بكل المقاييس والتقديرات كان مؤتمر بيروت الأخير الذي عقدته «مؤسسة الفكر العربي» ناجحاً والمؤكد أن المؤتمر الثالث سيكون أفضل من هذا المؤتمر فالمسيرة لا تزال على بداية الطريق والنجاح يـُجترح بالاستفادة من التجربة وإذا كانت ظاهرة مرض الاستعراضية الكلامية قد عانت منها بعض جلسات المؤتمر الذي انعقد قبل أيام فإن هذا لا ينتقص من أهمية ما جرى ومما سمع الذين حضروا ليستمعوا ويستفيدوا، وما جرى بالمحصلة النهائية كان جهداً مثمراً يستحق الذين قاموا به كل الشكر والتقدير.

لكل بداية أخطاؤها، والكمال لله وحده ولعل أهم ما نتوقعه أن يكون المؤتمر الثالث أقل استعراضية وتظاهرية وأن يكون اختيار «المفكرين» أكثر دقة وأن يقتصر جدول الأعمال على قضية عربية راهنة وملحة كظاهرة «الإرهاب» على سبيل المثال وأن يكون الهدف ليس الإدانة ومجرد تسجيل المواقف وإنما المعالجة العلمية المستندة الى الدراسات الاجتماعية والثقافية والنفسية والاقتصادية وأيضاً التاريخية والدينية.