رسالة لمؤسسة الفكر العربي

TT

تأتي رسالتي هذه في وقت زراعة فكرة في فكر يعاني من الكثير من المتضادات تختلط بها المقومات والمعوقات واصبح التزمت فيه مسار حياة والوسطية طريقا للموت. تجسدت صورة وضعنا في جميع نواحيه بقول الشاعر:

وكم شقيت في ذي الحياة فضائل

وكم سعدت في ذي الحياة عيوب

وكم شيما حسنا باتت كأنها

مساوئ يخشى شرها وذنوب

ولم يأت هذا التجسد من فراغ او تشاؤم، بل اتى من واقع تغيب فيه طرق المعاملات الصحيحة واصبحت طرق الجاهلية في تقزيم المختلف برأيه جزءا من معاملات بعضنا البعض، وقد كنت مشتاقا لسماع المتكلمين في الاطار الذي وضعه مؤسس المؤسسة الامير خالد الفيصل بقوله في كلمته «اكتشاف المحاور المشتركة التي يمكن ان يقوم عليها نموذج من التعاون البناء بين الانسان وأخيه الانسان، ويسمح على الجانب الآخر بالاختلاف الطبيعي بين خصوصيات كل حضارة». ولكن للأسف فهمت هذه العبارة بأنها تجسيد للقومية العربية التي ولدت بولادة قيصرية من عنصرين هما الحلم القديم المختلق، وفتنة امتلاك السلطة.

هذه المقدمة ـ كما في العقود ـ جزء لا يتجزأ من متن هذه المقالة.

نأتي لفاتنة العصر التي تغزل بها جميع من لا سلطة لهم في عالمنا العربي، والمتمثلة طبعا بـ (الديمقراطية)، وهام القاصي والداني بها كمسمى رنان في حلاوة اشراك الآخرين بالامساك بدفة تسيير الامور، وغيبنا الفلسفة التي اسسها فلاسفة الاغريق في صلب او غاية الديمقراطية التي تستقي جذورها من (العدل). فاذا عدل الحاكم استقامت الرعية وهذه سنة الله في خلقه (عدلت فأمنت فنمت يا عمر). فالمطلب هنا العدل، به تحفظ قيمة الانسان، وبه تحفظ حقوقهم، وبه لا يطغى فكر على الآخر، وقد بدأها نوح برسالته السماوية قبل ان يأتي بها الفلاسفة الاغريق وتبعتها امريكا اخيرا. فالمطالبة باحزاب سياسية والاشتراك في الحكم انما هي حلاوة السلطان في مملكة الانسان.

بدأ المؤتمر الثاني للفكر العربي من قبل بعض المتحدثين في سياق التكسب من التقدير الشعبي مشتقا من مسارين: الاول عدم الرضا عن وضع امتنا العربية الاسلامية والمسيحية، والثاني جلد الذات . وطبعا التقى المساران بالاصرار على القومية العربية.

مضت على العالم العربي فترة من الزمن ليست بقليلة وهو ينحدر الى الوراء متغنيا بجمع الكلمة العربية عن طريق الخطب والمؤتمرات، ولم نستطع ان نقبل بمقولة ان لكل دولة مصالحها المختلفة عن الدول الاخرى في عالمنا العربي. حتى ان مصطلح (العدو المشترك) يختلف من دولة عربية لاخرى فمنها من لديه معاهدات معه واخرى تحت احتلاله، فالانسياق لهذا المنطق عبارة عن عبث في وجه الحقيقة.

يقول قائل ان الاتحاد تحت راية واحدة ليس حلما، مستشهدا بالاتحاد الاوروبي، واقول ان لكل دولة اوروبية مصالحها التي تفهمتها الدول الاوروبية الاخرى واحترمتها واوجبتها، وحكمتهم الواقعية وجعلوها مسارهم في التقدم ، وهذا ما تفتقده الدول العربية. وها نحن الآن نطالب بانشاء لجان وبرلمانات للتمييع والهروب من المسؤولية حيث ان الاخفاق في عمل ما تتحمله هذه التجمعات وليس الفرد المسؤول، وهل لدينا نقص في اللجان او البرلمانات؟

لقد رأينا ونرى حث امريكا ومطالبتها الدول الشرق اوسطية بالديمقراطية، ولم ولن تطالب امريكا بجوهر الديمقراطية (العدل) لأنه لا يتناغم مع ما تقوم به، وموقف امريكا من قضية فلسطين كاف كمثال.

واختم رسالتي هذه بالدعوة لله بأن تخدم هذه المؤسسة انشاء العقل العربي الواقعي البعيد عن المزايدة في العروبة واحلام اليقظة، وان تكرس مفهوم العدل، او بمعنى آخر غاية الديمقراطية لتنمية العقل العربي ليأتي بفكر عربي.

[email protected]