عقود الشركات وغموض المشروع

TT

عندما يوزع الاميركيون العقود في العراق لهم الحق ان يهبوها لمن يحبون وان يحرموا من شاءوا، فهي اموالهم وليست عراقية او للامم المتحدة. يفعلون ما تفعله كل دولة في العالم تريد ان تمنح معونة او قرضا. وغريب ان يغضب بعضنا لان الاميركيين اقصوا شركات المانية او فرنسية او غيرها من الدول التي وقفت ضدهم، فهذه الدول غنية وقادرة على المساهمة لا ان تزاحم شركاتها الآخرين في طابور العقود الاميركية. كنا نأمل منهم ان ينافسوا بتقديم الاموال والعقود لا ان يطالبوا بحصة فيها. وللعلم فان هذه الدول المعارضة هي التي كانت ترفض تقديم مساعدات وقروض للعراق بحجه انها تريد لمساعداتها المالية ان تبقى مستقلة عن ادارة واشنطن في العراق، وعندما لبي طلبها وعقد مؤتمر مدريد، خصيصا لارضاء المانيا وفرنسا، رفضتا تقديم مارك او فرنك واحد.

والحقيقة ان المال وحده لا يبني بلدا. فالمشكلة مدنية وسياسية وهي اكبر من الاختلاف على تقسيم الدولارات الخضراء في العراق. الاميركيون بالفعل قادرون على تأسيس بنية خرسانية تحتية جيدة خلال سنوات قليلة مقبلة، وهذا امر يسير اليوم ببطء بسبب الاشكالات الامنية. وقد يصبح العراق بعدها دولة حديثة مثل الامارات والسعودية ولبنان وغيرها من الدول القليلة في المنطقة التي استثمرت الكثير لتطوير مرافقها المختلفة. لكن الأهم من ذلك اقناع المواطن العراقي بأن عملا ايجابيا سيختتم بتطوير النظام والعمران ثم الانسحاب. ولا نعني به الدعاية التضخيمية لمنافع الاحتلال فهذه اكذوبة لن تدوم ولو دام الاحتلال.

نحن نرى عسكرا وشاحنات وحريات لكن لم يكشف قط عن مشروع عراق واضح المعالم والتفاصيل.

اين هي خرائط العراق الجديد الذي تنوي بناءه، سواء على مستوى المياه والنفط والمجاري او الادارة المحلية السياسية والاقتصادية؟ نفتش عن مشروع العراق كما سيكون فلا نعثر عليه سواء في الخطاب الاميركي او في المجالس العراقية. توجد حركة متفرقة حيث تقوم الولايات المتحدة ببناء بعض الطرق وشبكات الكهرباء والماء وتصلح ميناء البصرة وتعيد تأسيس بعض الوزارات وتمهد لانتخابات محلية ومنحت الحريات للجميع من دون ان ندري كيف ينوي الاميركيون البقاء او متى ينوون الخروج، وكيف يعتزمون ادارة بغداد مدنيا؟

عليهم ان يقبلوا بالكيفية التي ينظر بها اليهم في ذهن العراقيين. الأولى ان الولايات المتحدة كانت تقف في خانة المنتقد لسوء ادارة الحكومات العربية لبلدانها وتصدر سنويا بيانات تعيب عليها معاملاتها وبيروقراطيتها واحتكارها وعجزها الاقتصادي. الآن هي الحكومة في العراق. والثانية ان العراقيين يعتقدون ان الولايات المتحدة دولة عظمى قادرة على انتشال بلدهم من الخراب، فيستعجلون الحلول او يستسهلونها. وفي غياب خرائط المشروع العراقي يكثر الجدل ويتنامى القلق خاصة مع الاخطاء القاتلة التي ارتكبها الاميركيون في ادارة البلاد، ثم غموض مستقبلهم صناعة وسياسة. فهل تقول واشنطن كيف سيكون العراق في عام 2006 مثلا؟

[email protected]