أخيرا.. قصة رئيس اصطاده الحجاب

TT

الزائر القادم من المريخ سيندهش من النقاش الدائر في فرنسا هذه الايام والذي يسيطر عليه امر واحد هو غطاء الرأس الذي بدأت بعض الفتيات المسلمات في وضعه منذ منتصف الثمانينات.

ويطلق الفرنسيون عليه اسم Le foulard islamique أي «الوشاح الاسلامي». وطبقا لاستطلاعات الرأي العام، فهو يعتبر تهديدا لاسلوب الحياة في بلادهم.

وفي الصيف الماضي عين جاك شيراك لجنة لدراسة الموضوع برئاسة برنار ستاسي وهو سياسي ليبرالي كبير، ونشرت اللجنة تقريرها في الاسبوع الماضي، واوصت المشرعين بمنع «الوشاح» من المدارس العامة. وتمتع الاقتراح بتأييد ساحق في البرلمان. ولكن قرار ارسال الموضوع لمناقشته في البرلمان يعتمد على شيراك.

ويجب على شيراك التريث، ودراسة التقرير، والاستماع الى وجهات نظر اخرى، او وطبقا لنصيحة تاليران عليه أن يتجنب خطوات يمكن ان تتسبب في اضرار اكثر من تحقيقها لامور جيدة.

وقد ارتكب تقرير ستاسي ثلاثة اخطاء.

اولها ان الوشاح وما يطلق عليه «كف فاطمة» الذي سيحظر ايضا، هو من رموز الاسلام.

والواقع ان الاسلام، الدين الذي لا يقبل الرموز، ليس لديه أي رموز.

لقد غطت المرأة المسلمة مثل النساء والرجال في اديان اخرى، رأسها بعديد من الاشياء من الاوشحة والطواقي والقبعات. ولكن كل هذه الاشياء ذات جذور ثقافية وقبلية وفولكلورية ووطنية، ولا يمكن ان تعتبر رمزا دينيا.

وان شكل الحجاب الذي اغضب الفرنسيين هو شكل جديد تماما. فقد اخترع في لبنان في السبعينات، وفرضه الملالي في ايران في 1982، وانتشر بالتدريج في دول اسلامية اخرى. ولذا يجب اعتباره رمزا سياسيا وليس دينيا. ولم تقر أي سلطة اسلامية او حتى اوصت بهذا الشكل من الحجاب كرمز ديني.

ومن السهل اثبات ان «الوشاح» لم يكن موجودا قبل عام 1975. ويمكن للنساء المسلمات فحص البومات الصور الخاصة بأسرهن لاكتشاف ان اسلافهن لم يكن يرتدين الحجاب.

وميغاواتي سوكارنوبوتري رئيسة اندونيسيا، اكبر دولة اسلامية في العالم، لا تضعه. ولا خالدة ضياء رئيسة وزراء بنغلاديش، ثاني اكبر دولة اسلامية. والسيدة شيرين عبادي، اول مسلمة تحصل على جائزة نوبل للسلام لا تضعه الا داخل ايران، لانه يمكن ان تدخل السجن اذا لم تضعه.

وتوجد في فرنسا اقلية مسلمة منذ القرن التاسع عشر. وبحلول منتصف الستينات كان عدد المسلمين في فرنسا مليونين تقريبا. ودخلت العديد من الفتيات المسلمات المدارس الفرنسية وهن يرتدين الملابس التقليدية وهي قبلية عادة ولا سيما غطاء الرأس البربري، بدون اثارة «صراع الحضارات». ولا يمكن اعتبار الوشاح رمزا «لصراع الحضارات» بين الاسلام والغرب فهو يمثل شكلا من اشكال التحدي السياسي للديموقراطيات الليبرالية الغربية.

والخطأ الثاني لتقرير لجنة ستاسي هو التصور بأن «الوشاح» واسع الاستخدام.

وهو غير صحيح. فقد كشفت الاحصاءات التي اجرتها وزارة الداخلية الفرنسية ان اقل من 12 الف امرأة من بين 1.8 مليون فتاة مسلمة يتعلمن في المدارس الفرنسية، وضعن «الوشاح» في العام الماضي. كما اصبح الوشاح اشكالية بالنسبة لـ1253 من هؤلاء الفتيات سواء لمحاولتهن استخدامه كوسيلة للتعبير عن ايديولوجيتهن السياسية او لانهن تعرضن لانتقادات من زميلاتهن اللائي لا يشاركنهن وجهات نظرهن.

والخطأ الثالث لتقرير ستاسي هو النتائج التي استخلصها من التصور بأن الفتيات اللائي يضعن على رؤسهن هذا الشكل الجديد من الحجاب اجبرن على ذلك.

فلقد كشفت دراسة اجرتها مجموعة من النساء المسلمات في حي كورنوف الباريسي الذي تسكنه اغلبية اسلامية ان 77 في المائة من الفتيات اللائي يضعن الشكل الجديد للحجاب يفعلن ذلك بسبب الخوف. وفي بعض الحالات اجبر الاصوليون المتطرفون الفتيات على التخلي عن الحجاب الشمال افريقي التقليدي مقابل الوشاح السياسي. وفي الواقع فنحن في حاجة الى دراسات واسعة النطاق واكثر حيادية لمعرفة عدد الفتيات اللائي اجبرن على وضع الشكل الجديد للحجاب وكم عدد اللائي فعلن ذلك لاسباب دينية شخصية او لقناعة سياسية.

ومن حق اللائي يضعن الحجاب الجديد برغبتهن، الاستمرار في ذلك، على الاقل في الديموقراطيات الغربية. ولا يمكن معاقبتهن لمعتقداتهن السياسية بحرمانهن من المدارس.

وبالنسبة للفتيات اللائي يتعرضن لضغوط لاستخدام «الوشاح» فيجب ان تحميهن الدولة بدلا من عقابهن.

ولا يمكن ان يسعى شيراك لموقف يمكن هؤلاء الفتيات من الوقوع في فخ بين المتطرفين الاصوليين، الذين يجبروهن على وضع «الوشاح»، والشرطة الفرنسية التي تطالبهن بخلعه.

لقد حدث الكثير قبل ان تضع الفتيات الحجاب الجديد والمثير للجدل. ويجب دراسة هذه الاشياء وفهمها، والتعامل معها، في كل مراحل تطورها، فالتعامل معها على ابواب المدارس هو امر متأخر للغاية.