هوس الحجاب.. وتضليله.. ما بين المسلمين والغرب..!

TT

أصبحت شيرين عبادي أول امرأة مسلمة تتسلم جائزة نوبل للسلام يوم الأربعاء الماضي. وقد نشرت صحف ووكالات أنباء كثيرة تقارير عن الحفل الذي أقيم في أوسلو والذي قبلت فيه عبادي الجائزة. وكما فعلت عندما عقدت مؤتمرا صحافيا في باريس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للاعلان عن انتصارها، فإن كل هذه الصحف ووكالات الأنباء اشتركت بعنوان واحد في تقاريرها: شيرين عبادي كانت ترتدي وشاح رأس. انني أتطلع الى ذلك اليوم الذي يكون فيه ذلك العنوان غير ضروري ولا يكون فيه تقييم المرأة المسلمة بوجود أو غياب غطاء الرأس.

أنا ضد فرض الحجاب على النساء، ولكنني، على نحو مماثل، ضد منع النساء من ارتداء الحجاب. لقد ضقت ذرعا بالهوس بالحجاب الموجود في الدول الاسلامية وغير الاسلامية. ودعوني أروي لكم قصتي مع الحجاب على سبيل المثال.

أنا ابنة طبيبين مصريين نقلاني وشقيقي الى بريطانيا عندما كنت في السابعة من عمري لكي يحصلا على شهادة الدكتوراه في الطب. وقد قضينا ما يقرب من ثماني سنوات هناك وأصبحت طليقة باللغة الانجليزية وبلكنة بريطانية.

وقد ارتديت الحجاب في سن السادسة عشرة عندما انتقلنا الى المملكة العربية السعودية، لأنني كنت أعتقد أنه ما يريده الله مني. وواصلت ارتداءه عندما عدت الى مصر لانهاء دراستي الجامعية. وكان كثير من الناس يصابون بصدمة عندما يسمعونني أتحدث الانجليزية. وكانت طلاقتي في اللغة تدهشهم دائما. وبدا كما لو انهم لا يمكن أن يصدقوا أن امرأة تستطيع التحدث بالانجليزية على هذا النحو الجيد وترتدي الحجاب أيضا. وحاولت أن أفهم حيرتهم ولكنني كنت أستاء من سؤالي حول كيف يمكنني أن أحقق خبرة جيدة في السفر والتعلم، ومع ذلك أرتدي الحجاب. وترتدي أمي، التي تحمل شهادة الدكتوراه، الحجاب أيضا.

وعندما كبرت كنت أتساءل، على نحو عما اذا كان الحجاب الزاميا. وبعد سنوات من ارتدائه تخليت عنه.

وقد كنت دائما على دراية بأن غطاء الرأس ليس مقتصرا على الاسلام بالطبع. فهناك نساء من أديان أخرى يغطين رؤوسهن أحيانا. ولكن عندما قرأت أعمال الباحثات المسلمات من أمثال فاطمة المرنيسي وأمينة ودود وليلى أحمد بدأت الاعتقاد بأنني يمكن أن أكون مسلمة متمرسة من دون ارتداء الحجاب. فكل هؤلاء النساء قد أشرن الى الأسس الثقافية وليس الدينية المتزمتة للحجاب، وتوغلن من دون تردد في دراسة التفسيرات والتقاليد الدينية التي تفضل الرجال.

كما أنني كنت قد أصبحت محبطة على نحو متزايد بالتوقعات من أن المسلمين وغير المسلمين على السواء يتوجهون نحو تلك القطعة من اللباس. وبالنسبة للجماعتين بدا الوشاح أكبر مما اعتقدت. لقد كنت المحجبة ببساطة ـ امرأة كانت ترتدي الوشاح.

وبالنسبة للغرب يعني الوشاح الاضطهاد والبطرياركية. والشيء الوحيد الذي يسأله الجميع حول النساء الأفغانيات الآن هو «هل خلعن البرقع؟». غير أن هوس الغرب بالحجاب لا ينطوي على التضليل فحسب وانما هو في غير محله. وتثقل الأمور على نحو أصعب على أذهان النساء في ايران أو المملكة العربية السعودية أو أفغانستان.

وبالنسبة للعالم الاسلامي أصبح الحجاب بيانا جريئا يشير الى أن الاسلام يزدهر ولا ينحني لامبريالية الغرب الثقافية. غير أن هوس المسلمين بالحجاب هو الآخر ينطوي على التضليل وفي غير محله. فقد كان للنساء المسلمات أن يتمتعن بحياة أفضل لو أن المسلمين وضعوا الجهد الذي بذلوه لتأكيد أهمية غطاء الرأس في التأكيد على أهمية تمتع النساء بالحقوق التي منحها القرآن لهن.

لقد عبرت جماعات الحقوق المدنية ـ من المسلمين وغير المسلمين ـ في اوروبا وفي الولايات المتحدة عن موقفها الصائب ضد منع طالبات المدارس المسلمات من ارتداء الحجاب. وقد ألقي الضوء على عدد من الحالات في فرنسا وألمانيا أخيرا وكذلك حالة في أوكلاهوما فصل فيها مسؤولو المدرسة طالبة مسلمة لأنهم زعموا أن حجابها ينتهك قواعد الزي المدرسي.

وقالت شيرين عبادي في مقابلة أجريت معها قبل توجهها الى النرويج لتسلم جائزة نوبل «أريد أن تتمتع النساء الايرانيات بحرية اختيار ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه». وأريد الشيء ذاته بالنسبة للنساء المسلمات في كل مكان.

وكما أنني أعارض فرض الحجاب في بعض الدول الاسلامية أنا ضد منع ارتداء الحجاب في المدارس والمباني الحكومية في تركيا. فالنساء اللواتي يرغبن في ارتداء الحجاب في الجامعة بتركيا على سبيل المثال يرتدين الباروكات لكي يستطعن الاستمرار في حضور الفصول الدراسية.

وعندما أجريت، ذات مرة، مقابلة مع احدى نسويات مصر البارزات وجدت نفسي أدافع عن النساء اللواتي يرتدين الحجاب. وقد قالت ان مثل هؤلاء النساء يتعرضن الى غسيل أدمغة. وقد أشرت الى النساء المتعلمات الكثيرات اللواتي عرفتهن وقد اخترن ارتداء الحجاب. والآن أجد نفسي أدافع عن النساء اللواتي يخترن عدم ارتداء الحجاب.

لماذا أصبح الحجاب العامل الحاسم في تعريف النساء المسلمات ؟ عندما يصبح تقييم النساء مرتبطا بوجود أو غياب غطاء الرأس فمن المستحيل تعزيز الجدل حول حقوق النساء. فالحجاب يصبح الصندوق الذي ندور في زواياه مرة تلو أخرى.