حسابات أوبك ليست اقتصادية فقط

TT

أهم مؤشرين سعريين في عالم اليوم الاقتصادي قد يكونان سعر برميل النفط الخام وسعر صرف الدولار على اليورو والين... والمؤشران عرضة لضغوط أميركية غير مسبوقة باكثر سلاح دمار فاعل بعد القنبلة الذرية: الدولار. أهي صدفة خير من ألف ميعاد أم ميعاد مضروب على خلفية 11 سبتمبر(أيلول) 2001؟ الجواب يبقى امانة في عنق الادارة الاميركية، ولكن البحث عن «المتضررين» من انخفاض ـ والاصح خفض ـ سعر صرف الدولار يبرر الظن بان خفضه، ان لم يكن موجها ضد حماة اليورو في الاتحاد الاوروبي ومنتجي النفط في العالم العربي فهو خفض مرحب به على أعلى المستويات الرسمية في واشنطن. في يوليو (تموز) 2001 كان سعر اليورو يوازي 84 سنتا أميركيا. وفي ديسمبر (كانون الاول) 2003 أصبح 1.22 دولار أي أن الدولار فقد نحو ثلث قيمته (32 في المائة) تجاه اليورو خلال سنتين ونصف تقريبا من حكم الجمهوريين في واشنطن. لا جدال في حق الدولة الاعظم ان تمارس عظمتها اقتصاديا ايضا ـ واقتصادها،أصلا، منطلق عظمتها. ولكن اللافت في سياسة خفض الدولار ما يشيعه من شعور بانه اذا شاءت واشنطن أن يتراجع سعره الى أدنى مستوى له منذ أكثر من عقد كامل فلا مانع في ذلك مهما سبّب تراجعه من خسائر لأقرب حلفائها في الاتحاد الأوروبي ومهما رتب من اعباء على موازين تجاراتهم. واذا اعتبرت واشنطن أن «تصحيح» العجز في حسابها الجاري يستوجب مزيدا من التراجع في سعر صرف الدولار على العملات الرئيسية الاخرى، فلا بأس من «معاقبة» العالم أجمع بدءا بحلفائها الاطلسيين

(المترددين في مشاركتها بتحمل أعباء احتلال العراق) وانتهاء بالجهة التي تزودها بأكثر من نصف احتياجاتها السنوية من النفط الخام، أي دول منظمة «أوبك». من المعروف أن الولايات المتحدة تربط معدلات نموها الاقتصادي، منذ «الصدمة النفطية» عام 1973، بسعر برميل النفط الخام. والمعادلة المبسطة، على هذا الصعيد، هي: بقدر ما يتراجع سعر برميل النفط الخام... بقدر ما تزداد فرص ارتفاع معدلات النمو الاميركي. وإذا كانت مشكلة الاقتصاد الاميركي حاليا هي مراوحة سعر برميل النفط فوق عتبة الـ28 دولارا التي حددتها «أوبك»، فلا مشكلة لواشنطن من حرمان دول «أوبك» من ثلث مكاسب هذا السعر عبر خفض القيمة الشرائية لدولارهم، الامر الذي يعني أن على دول «أوبك» ضخ المزيد من النفط الخام لتعويض خسائرها من تراجع القيمة الشرائية للدولار... مع ما يستتبع ذلك من احتمال العودة الى سياسة إغراق للسوق النفطية من شأنها الضغط على االمستوى الحالي للاسعار.

وعليه، ولأن النفط الخام سلعة ناضبة، ولأن مداخيل العديد من الدول المنتجة تعتمد بصورة أساسية على عائداتها من هذه السلعة، لا بد من أن ينعكس خفض سعر الدولار سلبا على اقتصادات هذه الدول وبالتالي معدلات نموها... الامر الذي يستوجب اتخاذ تدبير احترازي سريع لحماية القيمة الشرائية لعائدات دول «أوبك» هو قرار تاريخي بالبدء بتقييم سعر برميل النفط باليورو كبديل عملي عن الدولار، وبديل واعد على الصعيدين السياسي والاقتصادي معا:

ـ على الصعيد الاقتصادي، بلغ الناتج المحلي لاقتصادات دول اليورو،عام 2001، نسبة 60 في المائة من حجم الناتج المحلي الاميركي ليرتفع، بعد هبوط سعر الدولار،الى نحو 80 في المائة من الناتج الاميركي، علما بانه في حال انضمام بريطانيا والدنمارك والسويد الى منطقة اليورو، يصبح اقتصاد الاتحاد الاوروبي أكبر بقليل من اقتصاد الولايات المتحدة.

ـ على الصعيد السياسي تبرز ضمانة اليورو من كونه العملة الموحدة لـ12 دولة (مرشحة لان تصبح 31 بحلول العام 2006). وتعددية القاعدة الجغرافية لليورو، بحد ذاتها، ضمانة خفية لعدم «تسييسه» خدمة لمصالح أو مآرب دولة واحدة (كما هو حاصل بالنسبة للدولار الاميركي)... إلا أن أبرز مكسب تحققه «أوبك» من تخليها عن الدولار قد يكون مساهمتها، اقتصاديا، في تعزيز فرص قيام قطب دولي آخر يكسر احتكار «العظمة» في عالم لم تجن أحاديته على أحد كما جنت على العرب والمسلمين.