ثلاثة أرباع مسلم

TT

تعليقاً على مقالة الأمس وما ورد فيها من إشارة للشاعر الفلسطيني فؤاد حداد، عاد صديقي الشاعر فقال إنه كمسيحي عربي يشعر بأن ثلاثة ارباعه مسلم. فالمسيحي العربي متشرب بالتراث الاسلامي الذي يعتبره تراثه ويشعر به في معظم جوانب حياته.

هذا في الواقع شيء طالما لمسته في اخواننا المسيحيين فإذا كان الانسان بلسانه، فلسان المسيحي العربي ليس عربياً وحسب بل اسلامي ايضا. فعندما يقسم بقول «والله». وعندما يخطئ يقول: «استغفر الله» وعندما يستاء ويكره شيئاً يقول: «اعوذ بالله» تسمعه يبسمل ويحوقل ويكبر كأي مسلم «بسم الله» «ولا حول ولا قوة الا بالله» و«الله أكبر». وهو يستشهد في كلامه بآيات القرآن الكريم اكثر مما يستشهد بالكلمات الانجيلية. «اذا ضربك شخص على خدك الأيسر فأدر له خدك الآخر». كلمة يستشهد بها المسلمون ولم أسمعها قط من مسيحي.

كثيراً ما يؤدي ذلك الى مقالب ومفارقات طريفة. في ايام الاضطرابات في لبنان حضر أحد المطارنة لمقابلة الرئيس وكان هناك احد مشايخ الاسلام ايضاً. وكان الرئيس مشغولاً بكل تلك الحوادث المفجعة والأزمة الطاحنة. فطال انتظارهما حتى استولى الملل والاستياء على المطران فتمتم قائلاً: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» فاستغرب الشيخ من كلماته فقال له: «ابونا شو ها الكلام اللي قلت؟ اتشاهدت بشهادة الاسلام!» فرد عليه المطران قائلاً: «يا شيخ ما كفرونا!» كفراً أو تقديساً، غضباً أو ابتهاجاً، تتردد الكلمات القرآنية والسنة النبوية على ألسنة المسيحيين العرب في شتى المناسبات. بيد ان الموضوع يخرج من اطاره اللغوي فيمتد الى اساليب الحياة الاجتماعية. المسيحيون العرب لا يأكلون لحم الخنزير. وكانت السيدة هلدة صايغ، زوجة انيس صايغ لا تمتنع عن اكل الخنزير فقط وانما ترجو مني الا اخذهما الى مطاعم تطبخ لحم الخنزير. وكثيراً ما صادفت هذه المفارقة الطريفة عندما نذهب في جماعة الى مطعم فأجد بعض العراقيين المسلمين المارقين يطلبون طبقاً من البورك جوب والمسيحيون يمتنعون عنه، ويتضايقون من وجوده على المائدة.

كانت السيدة هلدة صايغ حريصة جداً على نظافة الأكل والصحون والمكان وكل شيء. وكانت تفسر ذلك صراحة بأنه من تأثير فكرة الطهارة الاسلامية على المسيحيين. والواقع ان كثيراً من السنن المعيشية التي يحرص على الالتزام بها المسيحي العربي، كالحشمة وخفر المرأة واحترام الموتى وذبح المواشي والدواجن وحتى لبس الحجاب عند الجيل القديم تتجاوب مع القواعد الاجتماعية للمسلمين.

ولا شك ان اتباع الشريعة الاسلامية ظل من أهم العوامل التي مزجت النصارى واليهود ايضاً بالمسلمين. فالديانة المسيحية لا تفصل الاوضاع القانونية للتعامل، كالارث مثلاً والعقود عموما. ولسد هذا الفراغ اخضع اهل الكتاب انفسهم لسنن الشريعة الاسلامية واحكام المجلة العثمانية القائمة على السنة الحنفية. وكان لذلك اثر بليغ على حياة أهل الكتاب في العالم الاسلامي.

وبالطبع، بتصاعد الحركة الوطنية والاشتراكية التي اجتاحت الجميع في العصر الحديث على اختلاف مللهم ونحلهم، تبنى الوطنيون واليساريون الكلمات والشعارات الجهادية الاسلامية فامتزج الاسلام بالعروبة، لا سيما بعد ان اصبح هدف كليهما التحرر من الحكم الاجنبي. وكان من آثار ذلك حلول الاسماء العربية الاسلامية محل الاسماء المسيحية التقليدية. جون اصبح حنا وحنا أصبح مثنى وطارق حنا اصبح طارق عزيز. وحار الباحثون الغربيون. هل الحركة الوطنية هي قومية عربية أم دينية اسلامية؟ شغل الغربيون انفسهم بالسؤال الذي لم يخطر لبال المسيحي العربي. بالنسبة له انها شيء واحد.

www.kishtainiat.com