صدام: هاتف ودولارات

TT

قبل العاشرة صباحا، أي قبل ساعة من اذاعة الخبر، اعاد الاتصال بي زميلي صاحب الأذن الشهيرة كمال قبيسي. على عجل قال انه علم قبل ساعتين أن صدام وقع في الأسر. بطبيعة الحال كان لا بد ان اسأله ان كان واثقا أنها ليست من اشاعات يوم الأحد، وهو اليوم الذي تغفو فيه وكالات الاخبار الدولية؟ بتحد رد، واثق مائة في المائة.

وعلى عادتي مع هذا الصحافي المهووس بالاخبار الذي ينام متوسدا هاتفه الجوال صدقته رغم خطورة ما رواه ورغم عجزي عن التثبت من قصته، الى ان بث الخبر لاحقا. وما كان اعتقال صدام بمفاجأة لكنها تظل لحظة مباغتة للنفس التي اعتادت على صدام. اعتدنا عليه رئيسا، منذ ان كان السيد نائب الرئيس، ثم الرئيس، فالرئيس المخلوع، فالرئيس الهارب واخيرا الرئيس المأسور، وغدا الرئيس الذي يحاكم.

شغل هذا الرجل حياتنا ربع قرن رغما عنا، ملأ حياة امة مرعوبة كاملة بالخوف، الرجل الذي لا يقهر، وملأ حياة امة أخرى مهزومة بالأمل، الرجل الذي سيحارب وينتصر. وأخيرا انتهى مقبوضا عليه في هذا الجحر الصغير في مزرعة مع حزمة من المال.

ليلة القبض على صدام كانت ليلة أخرى من هزائم الدعاية العربية التي تعودت على ترويج الاوهام مستفيدة من الاشباح معتقدة ان احدا لن يكتشف الحقيقة. في الساعة السابعة ليلة الفجر الأحمر انتهت أسطورة صدام عمليا، فاختتمت بياناته البطولية الاذاعية التي كان يبثها هاربا محرضا الغير على التضحية بالنفس وهو الذي لم يطلق رصاصة واحدة في حياته الا على المأسورين والعزل من المستضعفين من ابناء بلده. وبسكوته ستسكت، مؤقتا، جيوب التهويل والتزوير العربية التي كانت تعيش معه روحا في نفس الجحر.

اغضب مظهره كل المغرر بهم حيث لم يكن متمنطقا بحزام ناسف ولم يستند الى رشاش ولم يحاول ان يبتلع كبسولة سيانيد للانتحار. كانت ادواته، هاتفا وحزمة من الدولارات، حكم بهما ما تبقى من العراق من الجحر الصغير كما كان يفعل في قصره المنيف في بغداد، بيد يعطي الأوامر بالقتل وباليد الأخرى يشتري الولاء. بنهايته انتهت سيرة احد الابطال المزورين الذين تمتلئ بهم صحفنا التاريخية وان كنا ندرك انه ما ان تسقط اكذوبة حتى تولد أخرى، ونحن في انتظار فصل جديد من التزوير.

[email protected]