لم يكن صدام وحده في السرداب!

TT

انتهى صدام، وانتهت مرحلة لا تخلو من الكذب والدم، والاوهام. اعتقل في سرداب لا في حصن منيع. وهنا كذب الاميركان حين قالوا انه يبني سراديب خيالية. وكذب صدام، ومعه الخيال الفروسي العربي في ان يحاصر وهو حامل سلاحه ومدافع عن نفسه. لم يكن يحمل سلاحا، بل سبعمائة وخمسين الف دولار. هكذا حكم صدام بالدم والمال.

ما شاهدناه امس كان كذباً متلفزاً على مدى ثلاثين عاما! زعيم استسلم من دون ان يقاتل، وشارع عربي مصدوم، واعلام عربي بدت عليه الدهشة، فالبطل لم يقاوم حتى بنظراته امام الكاميرا. ما حدث كان كذبا، وما قيل عن ذلك الكذب ايضا امر محير، فالتصريحات التي انطلقت من قبل زعماء ومسؤولين كانت مستفزة. الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى قال ان اعتقال صدام حدث مهم، وهنا نقول هل ننسى مبادرة الشيخ زايد، وقمة شرم الشيخ؟ شيراك بدوره قال ان هذا الحدث يجب ان يعجل بتسليم الحكم للعراقيين، وهنا نقول ما الجديد؟ والقائمة تطول!

المحزن ان من يبثون الخطب، ويدفعون الاموال، ويختبئون في الجحور، حين يلقى القبض عليهم، يقعون تحت رحمة القانون. لكن المغرر بهم، اي ادواتهم، فهم من يقتلون ويسحقون، ويفجرون بالناس وبأنفسهم. اما قادتهم فلا يحملون الا الاموال، واقدامهم عندما يركضون. حدث ذلك مع بن لادن، ومعه الملا عمر، وبالتأكيد صدام حسين. يفر هؤلاء، ويقتل من صدقوهم.

ذات مرة سألنا مسؤولا عربيا كبيرا: هل تعتقدون ان صدام حسين سوف يصمد حتى آخر قطرة من دمه كما يقول، فهب غالبية لا يستهان بها، قائلين «سيموت مقاتلا»! فما كان من المسؤول الا ان رد وهو يضحك «على قولة الإخوة اللبنانيين... بَدّو يفل» اي يهرب!

المشكلة انه كان هناك من يعرف انه يكذب، ويعرف ان هذا الكذب سيقودنا الى ما نحن فيه اليوم، لكن المحزن ان صوت الغوغاء اكبر، وأقوى، ومحرق لمن يريد مواجهته، حتى وان كانت القرائن والشواهد كلها تقول اننا في الطريق لكارثة كبرى. والقضية ليست صدام، فمن لعبوا دورا في ترسيخ كذب صدام ها هم انفسهم ينتقلون الى الضفة الاخرى ليمارسوا نفس الكذب والتزييف مع شخص آخر وقضية اخرى.. وهكذا!

كل حدث يكشف لنا انه ان الأوان لنقول كفى كذبا، وكفى خداعا، وكفى تزييفا للحقائق، ولكن لا حياة لمن تنادي، فها هو ياسر عرفات مسجون منذ ثلاثة اعوام، والشرق الاوسط كله تحت وطأة الاختناق السياسي، ونيران الارهابيين تضرب من الرباط الى الرياض، ومثل ما رأينا سقوط الصنم متلفزا نرى اليوم اعتقال الزعيم المهيب في سرداب، ويقال لنا «صحيح.. ولكن لا لجلد الذات»!

[email protected]