التعاون الخليجي وتحديات الأمن

TT

قمة الكويت قد تعيد الحياة لمجلس التعاون الخليجي الذي دخل غرفة الانعاش وهو في سن العشرينات او انها تكتب شهادة وفاته على الأقل فيما يخص الخيارات الأمنية بالنسبة لدول المجلس، وهنا استخدم الخيارات الأمنية بمعناها الواسع. فمنذ تحرير العراق وازالة نظام صدام ووجود الدولة العظمى الوحيدة كجارة اقليمية لدول الخليج، لم يجتمع الخليجيون لمناقشة البيئة الأمنية الجديدة بمستوياتها الثلاثة المحلية والاقليمية والدولية او انعكاسات هذه التحولات الاقليمية الجديدة على امنهم القومي. وقبل المكاشفة الصريحة، لا بد، بداية، من كلمة تقدير لمجلس التعاون بصفته التجمع العربي الوحيد الذي بقي منذ انشائه عام 1979 حتى الآن، فقد مات المشروع المغاربي وكذلك مشروع التجمع العربي الذي ضم مصر والعراق والاردن واليمن، وماتت صيغ اخرى للتعاون بين الدول العربية، ولم تبق الا القشرة التي كونها الانجليز والمسماة بالجامعة العربية، والتي من حيث سلوكها السياسي هي اقرب الى ناد رياضي منها عن منظمة يمكن اخذها في الاعتبار عندما نتحدث عن أمن الدول.

لمن لا يعرف ظهر مجلس التعاون الخليجي كردة فعل للثورة الايرانية، اي ان الاصل في هذه المنظومة الاقليمية هو كونها تجمعاً اقليمياً امنياً (Security Structure)، اضيف اليه فيما بعد بعض ملامح التعاون الاقتصادي والاجتماعي، وقليل جدا من السياسة.

ورغم ان اداء مجلس التعاون الامني، مهما اختلفنا على الصيغ، كان متميزاً في حرب تحرير الكويت، الا ان اداء المجلس في حرب تحرير العراق كان فاشلاً أو في احسن الاحوال ينقصه التوجه الاستراتيجي (Strategic Direction). فقد كشفت حرب تحرير العراق ملامح التدهور من حيث التنسيق المشترك بين دول الخليج، وبدت كل دولة تتصرف على حدة، فجاءت مواقفها من مبادرة الشيخ زايد قبل الحرب، كما انها، وباستثناء الكويت وقطر، لم يكن لديها مواقف واضحة في مسألة استخدام اراضيها لتحرير العراق.

ويتعمق الاحساس بالتدهور في العمل الجماعي الخليجي اذا ما اختبرنا هذا التعاون تجاه قضيتين اساسيتين; الأولى هي موقف دول الخليج من عراق ما بعد التحرير، والثانية موقفها من مجلس الحكم العراقي المؤقت. وهذا يصب في خانة غياب التوجه الاسترتيجي. فباستثناء دولة الكويت، يبدو ان دول مجلس التعاون فضلت التعامل مع عراق المستقبل عن طريق الوسيط الامريكي، بمعنى ان دول الخليج فشلت في تطوير توجه استراتيجي تجاه العراق الجديد، منتظرة نتيجة صراع المقاومة العراقية مع الامريكيين.

كما ان هناك في كثير من نقاشات النخب الخليجية حديثاً يدور عن خروج امريكا من العراق دونما تقدير لان خروج امريكا هو اكثر خسارة من بقائها، فأمريكا ليست ملاكاً، وان خرجت من العراق تحت ضغط المقاومة كما يرى البعض، فلن تخرج بسلام كمن يغادر مجلس شاي. هذا الفيل الكبير لن يخرج من المنطقة الا وهو مكسر لكثير من الاطباق في طريقه وربما عواصم. خروج امريكا من الخليج اصعب بكثير من دخولها، وهذا امر لا يهدد الأمن الاقليمي الخليجي فقط وانما يطرح اسئلة الفناء والبقاء.

يتصور البعض منا أن بعض الدول العربية او حتى الخليجية لديها اوراق ضغط لتغيير الاستراتيجية الامنية في العراق والخليج وربما انسحاب امريكا، ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي ان امريكا لا تعنى بهذا الضغط وها هي تعاقب روسيا، والمانيا، وفرنسا، في مسألة اعمار العراق، كما انها لم تحتجهم في الحرب، فإذا كانت امريكا تستطيع الاستغناء عن خدمات دول عظمى لها مقعد دائم في مجلس الأمن، فهل يعقل ان تبتزها دول العالم الثالث الصغيرة في منطقتنا العربية وخصوصاً اذا ما اعترفنا بأن اكبر هذه الدول يعتمد بشكل اساسي على الولايات المتحدة؟! في اعتقادي ان قادة الخليج التقليديين يتمتعون بواقعية سياسية، وباستثناء حالة الجزيرة وحالة الخبل المسيطرة على أنصار بن لادن في المنطقة، لن يصدق قادة الخليج النعرات القادمة من دول الشعارات وخصوصاً المهددة بالضرب منها التي تدعو للتصفيق للمقاومة العراقية، فالاولى والابقى لقادة التعاون ووزراء خارجيتهم النظر بعين باردة للفرص والتحديات التي تواجههم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ منطقتهم.

ترى ما هي هذه الفرص وهذه التحديات التي يجب ان تؤخذ في الاعتبار؟!

الناظر لهذه الفرص والتحديات لا بد ان ينظر اليها في سياق تغير البيئة الاستراتيجية العالمية بعد 11 سبتمبر، وكذلك مدة الحرب على الارهاب والتي يقدر لها بين عشرين وثلاثين عاما من الآن (حرب باردة جديدة ـ أو حرب أقل سخونة) تدور بين امريكا وبين بعض مناطق العالم العربي تحديداً والاسلامي بشكل اقل اهمية.

كذلك يحدد الاطار الاستراتيجي للعمل المشترك الوجود الامريكي في العراق، وهو وجود لن يختلف عن صيغة الوجود الامريكي في اليابان كثيرا بمعنى اتفاقيات بقاء القوات Status of Forces Agreements.

اذن التجمع الخليجي الآن او التوتر الامني في الخليج الآن يشمل امريكا وايران وبقية دول الخليج، امريكا الآن هي دولة خليجية مهيمنة يفوق دورها ادوار كل من ايران والسعودية والعراق كدول مهيمنة في السابق.

التحدي الأكبر الذي يواجه مجلس التعاون الخليجي اذن هو العراق والارهاب. بالنسبة للعراق يجب ان يضع الخليجيون في اعتبارهم ان امريكا لن تتخلى عن العراق، وذلك لمتطلبات استراتيجيتها العالمية الكبرى، فنجاح امريكا في العراق يعني نجاحاً للامبراطورية الامريكية البازغة وفشلها يعني انهيار القوة الامريكية عالمياً، على الاقل من حيث انطباع الناس عن هذه القوة. وكما يعلم الجميع، ان امريكا سيطرت على آسيا من خلال حروبها في كوريا واليابان وسيطرت على غرب اوربا من خلال الحرب العالمية الثانية، وهي الآن تدخل الى السيطرة على الشرق الأوسط من خلال حربها على العراق، وليس لدي شك في ان قدرات الشرق اوسط اقل بكثير من قدرات شرق آسيا وجنوب شرقي آسيا، كذلك هي قدرات اقل من قدرات اوربا الغربية، التي استمر فيها النفوذ الامريكي منذ عام 1946 حتى الآن.

نجاح امريكا في العراق او فشلها مربوط بشباك زمني محدد (Window of Opportunity) يمكن تحديده بأربع سنوات في اقصاه، وعامين في حده الادنى. هذا هو الشباك الزمني ايضا بالنسبة لترتيب الاوضاع الخليجية امنيا من حيث حزام الأمن الاقليمي، وكذلك متطلبات الأمن الداخلي لكل دولة على حدة.

بالنسبة للأوضاع الداخلية، تعاني دول الخليج مثلها مثل بقية الدول العربية الاخرى من تزايد دور الحركات على حساب دور الدول، فالبيت الخليجي بعد تفجيرات 12 مايو في السعودية، بات مهدداً من الداخل بخطر التطرف من الحركات التي تجد الآن دعما شعبيا من خلال الشارع وكثير من كتاب الصحافة الاسلاميين من جماعتي «بن لادن» و«بن لكن» في ذات الوقت.

والتهديد من هذه الجماعات يمكن التعامل معه من خلال ثلاثة حلول، اما الاقصاء المطلق (نموذج تونس) او ضم هذه المجموعات سياسيا تحت تهديد نزع الشرعية (نموذج مصر) او ضمها ضمن تفاعل سياسي برلماني (نظاما الكويت والاردن).

كذلك هناك تهديد آخر مرتبط بسابقيه وهو تهديد الزيادة السكانية وزيادة عدد الشباب العاطل في دول الخليج والذين انتقلوا من حالة التفحيط (بالتعبير السعودي) كهواية الى حالة الكلاشينكوف.

ان لم تتقدم القمة الخليجية بعبارات واضحة تجاه قضايا ملحة، فلن يستمع اليها احد في العالم.. وأولى هذه القضايا، هي موقفها تجاه ما يحدث في العراق، وكذلك موقفها من قضية الحرب العالمية على الارهاب من حيث حركة الاموال وحركة البشر وما قامت به هذه الدول، وكذلك موقف دول الخليج من اسئلة الديمقراطية والاصلاح السياسي وحقوق المرأة. ثم يأتي موقفهم من الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي بعد هذه القائمة. أما اذا بدأ بيانهم الختامي بعكس هذا الترتيب، فمعنى ذلك انهم فشلوا او انهم اعلنوا شهادة وفاة المجلس في نظر المهتمين بالعلاقات الدولية عالميا، وربما في نظر الجارة الجديدة للخليج.

[email protected]