مكافحة الفساد

TT

سألوني قبل اشهر عن افكاري بصدد قانون مكافحة الفساد في العراق فكتبت لهم مذكرة طويلة ولكن غاب عني هذا الاقتراح. أدونه الآن بعد ما اشيع عن حكايات المحسوبيات التي اخذت تتكرر في العهد الجديد وتطمئننا بأن العراق مازال حريصا على التمسك بعروبته.

سبق لي أن ذكرت بأن قوة الروابط العائلية عندنا من أهم عوامل الفساد والتأخر وانعدام الكفاءة. لم يعد الغربيون يعبأون بالعائلة فعمدوا الى اختيار الأشخاص حسب كفاءتهم. نحن نختارهم حسب قرابتهم لنا. للتغلب على ذلك اقترح اتباع ما كان جاريا في عالم القضاء العراقي الذي اسسه الانجليز واشرف على صيانته المستشار المستر رتشارد بحيث اصبح مفخرة من مفاخر العهد الملكي، كان المتبع ان يسألوا المتهم فيما اذا كانت له أي علاقة بالقاضي. لا أدل على روعة القضاء العراقي في تلك الفترة من روح اللاطائفية والتسامح المطلق الذي ساد فيه. وما من مثال حي على ما اقول افضل من تشكيلة محكمة الاستئناف في بغداد. كان رئيسها يهوديا، استاذي الفاضل داود سمرة، وعضوها المسيحي انطوان شماس والعضو الآخر مسلم سني، الأستاذ الشواف. لم اسمع حتى الآن عن مجرم نفذ فيه حكم الإعدام وتذمر بأن من امر بشنقه كان يهوديا. كان الرجل يرتقي المشنقة بكل رحابة صدر.

سيق امامهم ذات يوم رجل شيعي متهم بجريمة قتل. فسأله كاتب المحكمة، هل لك أي علاقة قربى بأحد من اعضاء المحكمة؟ نظر في وجهه وأجاب: «أنا؟ يعني أقرب لواحد منهم؟ شلون يعني؟ هذا نصراني يعبد الصليب، والآخر القاعد جنبه سني خنزير ورئيسهم يهودي صهيوني. شلون يعني اقرب لهم؟».

ينبغي في رأيي تطبيق هذه القاعدة في عموم الإدارة. لا يتعين رجل في وظيفة او يمنح عقد لمقاول ما لم يسألوه اولا، ألك علاقة قربى بالمدير أو الوزير أو أي أحد من الهيئة؟ هل انت نسيب لأحدهم؟ هل سبق ان كانت لك علاقة غرامية مع احدى بناتهم؟

أقول كل ذلك لما اشعر به من وقع العلاقات العائلية في مجتمعنا. فمما اتذكره من عهد صدام حسين أن رجلا دعس على قدم رجل آخر في الباص أثناء ساعات الازدحام. تحمل الآخر وجع قدمه ولكنه لم يستطع الاستمرار في التحمل اكثر مما فعل فالتفت الى الرجل الداعس وسأله بأدب: «اخي انت عضو بحزب البعث القائد؟». قال لا. عاد فسأله، هل والدك عضو كبير في الحزب؟ قال لا. هل انت متزوج بأمرأة بعثية؟ قال لا. انا أعزب. تأمل الرجل قليلا ثم عاد للسؤال : اخي يعني عندك واحد بعثي من اقاربك، من عمومتك، من اولاد خالك؟ قال لا. ابدا. ما عندنا أي بعثي بعائلتي.

فما كان من الرجل المدعوس غير أن رفع يده وسدد لكمة قاضية للآخر أطاحت به على الأرض: «يا ابن الكلب! شلون يعني اذن تاخذ حريتك هالشكل وتدوس على رجل الناس؟».

هذه كلها أمثلة على مدى قوة الروابط العائلية التي نعتز بها. ولهذا فمن الضروري في رأيي أن يقدم المستدعي او طالب الوظيفة او المتقدم للعطاء او الحصول على بعثة دراسية، وثيقة ضمن شهاداته واوراقه الثبوتية مصدقة من المختار واثنين من اختيارية المحلة تشهد بعدم قرباه او نسبه إلى بالمدير المسؤول عن العمل او دخوله في أي علاقات شريفة او غير شريفة مع احد محارمه، او بالعكس.

على الأقل هذا ما ينبغي فعله الآن في هذه المرحلة الانتقالية. ريثما تستقر الأمور وترتقي المؤسسات الطبية الى المستوى المطلوب. وعندئذ سيتعين احالة كل طالب وظيفة او مقاولة او بعثة الى المستشفى لفحص دمه والحصول على شهادة تثبت اختلاف جيناته عن جينات الوزير او المدير المسؤول، ولا سيما في ما يتعلق بالاستعداد الوراثي للرشوة والاختلاس.

www.kishtainiat.com