أسئلة ما بعد اعتقال صدام حسين

TT

اعتقال الرئيس صدام حسين يستدعي ما لا حصر له من الانفعالات لاريب، حيث ما كان لاحد ان يتصور أو يتوقع له هذه النهاية المهينة والبائسة، لكننا اذا خرجنا من دائرة الانفعال فسنجد ان الحدث يستدعي عديدا من الاسئلة الهامة، اخص بالذكر منها ثلاثة لها صفة الاستعجال هي:

أولا: ما الذي سيفعله الامريكيون بعدما زال خطر الرجل وطويت صفحته تماما، ولم يعد هناك أي امل في أن يستعيد نظامه، ذلك ان استمرار وجود صدام حسين مطلق السراح على أرض العراق كان يشكل ذريعة لاستمرار الاحتلال والمماطلة في تسليم السلطة للعراقيين لان شبحه كان مصدر خوف لكثيرين، ممن استشعروا ان في وجود القوات الامريكية ضمانة لهم فطمأنهم الى ان هناك من يحتمون به، اذا ما وقعت الواقعة وعاد الرجل الى السلطة مرة ثانية. وليس سرا انه طيلة الاشهر الثمانية أو التسعة الماضية كان هناك من يعتقد ان القوات الامريكية تعلم بمكان وجود صدام حسين وتراقبه، ولكنها حريصة على ان تبقيه حيا تحت سيطرتها واعينها، ليظل مصدرا لاخافة العراقيين، ثم دافعا لهم لكي يتمسكوا بوجود الاحتلال الامريكي خصوصا انه ثمه سابقة في هذا الصدد حيث راجت شائعات من ذلك القبيل في اعقاب هزيمته في حرب الخليج الثانية والابقاء على نظامه دون مساس، رغم ان الطريق الى بغداد كان مفتوحا وان قيل وقتذاك ان الابقاء على الرجل ونظامه لكي يؤدي دور «الفزاعة» في منطقة الخليج، الامر الذي يبرر استمرار الوجود الامريكي والحرص على البقاء في كفالته وتحت مظلته.

لقد كنت احد الذين سمعوا اكثر من مرة ان مكان اختباء صدام حسين تم رصده وابلاغ قوات التحالف بذلك، ولكنها غضت الطرف عن الخبر، للسبب الذي ذكرت، وحدثني احد القيادات الكردية عن قصة من ذلك القبيل، حيث ذكر ان عناصر «البشمرجه» حددت مكانه في الشهر الماضي، ولم تشأ ان تلقي القبض عليه لظنها انه ومن معه مسلحون تسليحا جيدا، فأبلغت قوات التحالف بالخبر وطلبت منهم ان يوفروا لها اعدادا اضافية من البشر وغطاء جويا، ولكن الضابط الامريكي المختص لم يكترث بالامر، وتلكأ في الاستجابة للطلب، الامر الذي وفر فرصة لصدام حسين لكي ينتقل الى مكان آخر، ويفلت من الملاحقة.

ايضا سمعت شائعة قوية بنفس المضمون ذكرت ان للامريكيين هدفا اخر من التراخي في القاء القبض عليه، هو انهم يريدون ان يؤجلوا هذه الخطوة الى وقت يقترب فيه موعد الانتخابات الرئاسية الامريكية، بحيث يلقى القبض على الرجل آنذاك، لكي يكون الخبر بمثابة قنبلة اعلامية كبيرة تشد الانتباه وتخطف الابصار، وتثير في الولايات المتحدة دخانا يحجب الانتقادات الكثيرة التي يوجهها الديمقراطيون للرئيس بوش فيما يخص حملته العسكرية على العراق ووعوده التي اطلقها في حملته الانتخابية الاولى ولم يف بها.

اذ لم يعد هناك مجال للترويج لمثل هذه الشائعات حيث اختفى «الشبح» الذي ظل يقلق البعض ويردعهم طيلة الاشهر الماضية فماذا سيفعل الامريكيون، وكيف سيقنعون الآخرين باستمرار وجودهم وبتراخيهم في نقل السلطة للعراقيين؟

* ثانيا: هل ستستمر المقاومة بذات الوتيرة بعد الذي حدث؟ ذلك ان البعض في الولايات المتحدة وخارجها ظلوا طيلة الاشهر الماضية يروجون لمقولة ان عمليات المقاومة التي تشهدها العراق وراءها ثلاث فئات، الاولى «فلول» النظام السابق، الذين يتطلعون لاستعادة سلطانهم والثانية جماعات المتسللين من الخارج، سواء كانوا من شباب تنظيم القاعدة، أو غيرهم من المتطوعين الذين جاءوا من دول عربية واسلامية شتى للانتقام من الامريكيين، والثالثة هم ارباب السوابق والمجرمين الذين اطلقهم النظام السابق قبل سقوطه والذين عاثوا في الارض فسادا واسهموا في ترويع العباد واثارة الفوضى في البلاد.

سمعت من احد اعضاء مجلس الحكم المحلي قوله ان 80% من عناصر المقاومة هم من جماعة صدام حسين «وفدائييه» وقرأنا ذات يوم قريب ان شبابا منهم قاموا باحدى العمليات وهم يرتدون ازياء فدائيي صدام، ولعل كثيرين يذكرون كيف ان هؤلاء ظلوا يصنفون من قبل البعض بحسبانهم مخربين وارهابيين وغير ذلك، غير ان هناك معلومات اخرى تحدثت عن مقاومة وطنية عراقية لا هي منسوبة الى فلول النظام السابق، ولا شأن لها بالمتسللين أو غيرهم، بمعنى انها ضد صدام حسين وضد الاحتلال في الوقت ذاته، وكنت احد الذين يراهنون على وجهة النظر الاخرى، اعتمادا على معلومات ناشطين عراقيين اسلاميين وقوميين.

بعد الاعتقال اصبحت الفرصة متاحة بشكل افضل لحسم هذه المسألة وترجيح احدى وجهتي النظر. رب قائل يقول ان فدائيي صدام سوف يحاولون الانتقام من الامريكيين، وهو احتمال وارد بطبيعة الحال لبعض الوقت، لكن يصعب افتراض ان «الفلول» سوف تستمر في عملياتها بينما الرئيس الذي تدين له بالولاء في قبضة الامريكيين وتنتظره نهاية لا يتعذر تصورها.

* ثالثا: هل سينخرط الشيعة في المقاومة بحجم الامل المعقود عليهم، أم انهم سيظلون على حذرهم ازاء تلك المشاركة المرجوة؟ ما يدفعني الى طرح السؤال في اللحظة الراهنة انني سمعت من واحد من «آيات الله» التقيته في احد المؤتمرات قبل ايام قليلة أن احد اسباب حذر اغلب شيعة العراق وترددهم في الانخراط في المقاومة انهم لم ينسوا درس العام 1991، حين هزمت قوات صدام حسين في الكويت، وتلقوا من جانبهم اشارات مشجعة على التمرد، فقاموا بانتفاضتهم الشهيرة آنذاك، واذا بهم يفاجأون بأن الذين اعطوهم الاشارات الخضراء تخلوا عنهم، وان قوات صدام حسين بمدفعيتها وطائراتها انقضت عليهم من كل صوب، حتى احدثت بهم مقتلة لا تنسى وقائعها، وبقيت القبور الجماعية شاهدا على فظائعها.

بسبب من ذلك، اضاف سماحة الشيخ، فان وجود صدام حسين مطلق السراح طيلة الاشهر الماضية ظل يستحضر ذلك الكابوس في الوجدان الشيعي، اذ رغم سقوط النظام واستبعاد احتمال عودته في ظل حسابات الوقت الا ان ورود ذلك الاحتمال في الوعي العام، ولو بنسبة واحد في الالف، كان كافيا لإقلاق الشيعة وحفزهم على الحذر والتردد.

لم يكن ذلك هو الشيء الوحيد بطبيعة الحال، لان هناك اسبابا اخرى يطول شرحها ولكن محدثي الشيخ اعتبره احد أهم الاسباب، الامر الذي يدعوني الى التساؤل اذا كان اعتقال صدام حسين وزوال السبب المذكور يمكن ان يؤدي الى تغيير موقف المترددين من الشيعة أم لا؟

لست اشك في ان الحدث سيظل محورا للاهتمام لاجل غير قصير، خصوصا اذا قدم صدام حسين الى المحاكمة الامر الذي لابد ان يشد الانتباه ويخطف الابصار، كما انني لست اشك في ان اعلام الاحتلال وابواقه ستحول قصة الاعتقال الى مسلسل لا تخلو ملفاته ووقائعه من اثارة لكن ارجو الا ينسينا ذلك كله تلك الحقيقة المريبة والفاجعة المتمثلة في سعي الاحتلال لتثبيت اقدامه واطالة عمره، واشغالنا بمآل صدام حسين عن مآل العراق، حيث لا معنى لازالة خبث من الجسم واستبداله بخبث آخر.